«فنادق مكة المكرمة مُسيرة أم مُخيرة؟» كان هذا عنوان مقالتي الماضية، التي ختمتها بقولي: المحزن أنها مُسيرة بما يُفسد عمرة المعتمرين وقلوب الخاشعين! كيف يكون ذلك ولمن يوجه اللوم والنصح الصادق؟ وهذا المقال تتمة وإجابة لذلك السؤال المُر والنتيجة المؤلمة، بعد أن أدينا العمرة وعدنا إلى فنادق السكن التقينا مع جمهور الناس الذين كانوا معنا في الطائرة وغيرها من الطائرات وهم وفود متعددة، وفد المعهد الديني ووفد جمعية الشامية التعاونية وعددهم يقارب (500) شخص نزلوا في الهيلتون التابع لأبراج مكة، ووفد جمعية مشرف التعاونية حلوا في فندق التوحيد، ووفد نقابة الخطوط الجوية الكويتية نزل في برج زمزم... فتكررت الملاحظات وتأكدت المأساة، إذ ان الجميع كان يتوقع بعد أن يتحلل من إحرامه وعمرته ويسترخي ويبحث في التلفزيون عن مادة علمية أو ثقافية أو شرعية أو أدبية أو ترفيهية أو إخبارية تتناسب مع عظمة المكان والأجواء الإيمانية في مكة المكرمة التي من أجلها أقبل الناس وتكبدوا مشاق السفر وصرف المال... الصدمة كانت أن وفود المعتمرين ذهلوا عندما باغتتهم شاشة التلفاز بعدد غير قليل من القنوات المفتوحة التي تعرض الأفلام العربية والأجنبية، والتمثيليات والإعلانات والأغاني، وكل ما ينطوي على السخف والعري والتفاهة وهدم القيم ومصادمة الفطرة وتلويث إنسانية الإنسان باسم الفن، المتعة المنفصلة عن القيمة... نعم هناك قنوات مفيدة علمية وتربوية وثقافية، ولكن كيف بأسرة معتمرة، تتفاوت أعمار أفرادها والريموت باليد يجول بين الفضائيات، حتى لو قال قائل: فليختاروا ما هو خير ويذروا ما هو شر، فأقول: وهل يجوز عقلاً وديناً أن نعرض ما هو شر؟ أم اننا أصبحنا في عصر النسبية الأخلاقية وضياع الثوابت والفردية الأنانية، لا نعرف أن نحدد ونتفق على ما ينفع وما يضر!! ثم أليس مجرد التنقل بين قنوات المتعة التافهة والتسلية غير البريئة تجعل المشاهد يمر بعينيه على ما لا يحب وما يعتبره حراماً وسافلاً، وإن كره الكارهون، وتفلسف المتفلسفون!! قال أحد الساخطين حرام عليكم دعونا نؤمن ساعة.إن الغرب العلماني المادي بدأ يقوم بدورات تدريبية هي عبارة عن رحلات عزلة عن عالم السوق والضوضاء والإعلام ووسائل الاتصال، لاستعادة الطاقة، وتجديد الهمة وصياغة الذات بعيداً عن المؤثرات!! فكيف بمن جاء قاصداً بيت الله الحرام ليمتلئ إيماناً ويغسل روحه مما علق بها من رواسب الدنيا وأوضارها... كم هي صدمة أن يخرج المعتمر من جوار الكعبة ويصل بعد خمس دقائق إلى حيث يسكن ويفتح التلفاز ليرى ما ينفعه وإذا به يشاهد دعاية عارية فجَّة لهيفاء وهبي أو غيرها من الفنانات، والله حرام... حرام... حرام!كلي أمل أن تصل رسالتي وأنا محب ناصح إلى من بيده القرار لتطهير فنادق مكة والمدينة من هذه الملوثات ليدعو لكم الناس بالخير.

محمد العوضي