نحزن، نبكيك؟!إذا بكيناك خنا وصيتك، وإذا لم نفعل خانتنا قلوبنا والمحاجر، وضعنا محرج وصعب ومحير، وأنت سيد من يعلم أنَّ أمر البكائين البكاء المولج، فما قولك بأصحاب البكائين؟! انصحنا كما تعودت، ما العمل؟!سيدي، رحلت بصمت وهدوء، وصف غير دقيق، رثاء صحافة عجل، يهوى النجم فتهتز الأرض، يتغير مسار القمر فتثور علينا البحار والمحيطات، تأفل الشمس فنضيع في الظلام، وأنت ذهبت وحدك «كسميّك» فانشغلنا نحن، غبت أنت وانطفأنا نحن، ارتحت أنت وتعبنا نحن، سقطت أنت والدويّ في قلوبنا نحن، ثم يقولون رحلت بهدوء..! عن أي هدوء يتكلمون؟! ماذا عنا؟!سيدي، وصلك شرف لا أدعيه، مجلسك لسوء حظي لم يضمني، لقاؤك لم تقدره لي الأقدار، أعرفك ولا تعرفني، لا أدري إن كان ذلك يخفف من وطأة الفقد أم يثقله، ما أنا متيقن منه أنني لم أكن بحاجة لأعرفك حتى أعرفك، وأنت لم تكن بحاجة لتعرفني حتى تترك أثرك بلا مقدار، وهذا ما يعقد الأمر أكثر بالنسبة لي ويزيده غموضا وإرباكاً وحسرة، وأظن لست وحدي كذلك..نحن جيل سيدي اعتاد أن يؤرخ لأيامه بما قبل وما بعد ضياع الوطن، واليوم، بعدك، سنبدأ لا شعورياً مرحلة ما قبلك وما بعدك، ما قبل الاستثناء وما بعده، ما قبل البرق وما بعده، نعم كنت برقا خاطفا مستعجلا، أضاء سماء الوطن، نبه عقول الغافلين، حرك ضمائر المتبلدين، ألف قلوب المختلفين، أعيا حجة المخالفين، واختفى...، اختفى وتركنا تائهين في الخلاء تغرقنا أمطار الإنكار والخسارة والوحشة والوجع والتشاؤم والانكسار وكل غيمة حزن تبحث عن أرض ترمي حمولتها الثقيلة في قلوبنا...سيدي، معذرة، سنخالف وصيتك، ولن تشتبه بدموعنا...
فهد البسام