«إن الجماهير العربية ماضية في طريق التحدي للنظام العربي الرسمي الذي يواجه تحديات شعبية متزايدة لن تتراجع حتى تصل إلى هدفها النهائي». صدقوا أو لا تصدقوا، الكلام السابق ذكره ورد في خطاب الرئيس الراحل معمّر القذافي في القمة العربية الثانية والعشرين في سرّت في ليبيا (2010/3/27). ويا لسخرية القدر. لم يدر في ذهن القذافي ان نبوءته سوف تتحقق! فجماهير ليبيا، حققت «هدّفها النهائي» فخلعته، لا بل أردته قتيلاً! هو، الذي توجّه إلى القادة العرب (القمة العربية، دمشق ابريل 2008) مستنكراً الإطاحة بصدام حسين قائلاُ... «يمكن الدور يجي عليكم». لاحظ أنّه لم يقل علينا، بما فيه شخصه الكريم!
القذافي ثالث رئيس عربي يسقط في خلال تسعة أشهر، لقد أخطأ في حساباته، كما أخطأ من قبله صدام حسين. هو الخطأ الذي يرتكبه كل طاغٍ ومستبد، متجرداً من تأييد الشعب وحمايته به، معتقداً أن حكمه سوف يدوم الى أبد الآبدين، غافلاً قراءة التحولات المحلية والدولية. كان على القذافي أن يدرك أنّه منذ صدور قرار مجلس الأمن بالسماح «للناتو» أن تتدخل في دعم الانتفاضة الشعبية وإصرار الشعب الليبي على إطاحته، أنّ نهاية حكمه، أضحت مسألة وقت. لكنّ مشكلته، كمشكلة صدام حسين، أنّه أغفل، لا بل، تجاهل الحل السياسي، معتمداً، على ذراعه العسكري. المفارقة أنّ القذافي وُلد في قريّة جهنم (منطقة سرت) ولعلّه إلى جهنم عاد! والثابت، أنّه كان غريب الأطوار (قراره التخلي عن التقويم الهجري، دعوته لتأسيس «إسراطين» تجمع بين فلسطين وإسرائيل، وغير ذلك...)، مصاباً بجنون العظمة، وهو مرضٌ قاتل. جاء في برقية صادرة من السفير الأميركي في طرابلس جين كرتيز في العام 2009 بأنّه «شخصية زئبقية، غريب الأطوار، يعاني من أنواع عدّة من الرهاب ويعمل ما بدا له» («الحياة» 2011/10/21). يروي نائب مجلس الوزراء المصري السابق يحيى الجمل في حوارٍ أجرته معه «الشرق الأوسط» أنّ القذافي كان في زيارة للقاهرة إبان حكم السادات، حين طلب من الرئيس المصري موعدا له مع طبيب للعيون. استدعى السادات مساعده وقال له: الواد ده مجنون. شوفولو طبيب أمراض عقلية. وهذا ما حدث. أثناء المعاينة، استغرب القذافي أسئلة الطبيب التي لا تمت الى ألم عينيه بصلة، فقطع المعاينة، متهماً الطبيب... بالجنون!
في تصريح للسيناتور الأميركي جون كيري (الأحد 2011/10/23). وتصريحاته عادة ما تؤشر للسياسة الأميركية: «انّ انتهاء الأزمة في ليبيا، يسمح بالتركيز على سورية. كنت أتمنى على الرئيس السوري، لو أنّه، في الشهر، لا بل في الأسبوع الأول من أحداث سورّية لو أنه استوحى حّذاقة وبرغماتية وذكاء والده الرئيس الراحل، واستدعى أركان حكمه وقال لهم: لا نزال نحظى بتأييد عربي، تركي، إيراني ودولي. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وصفتني بأنني اصلاحي (Reformer). لا تقللّوا من قيمة حرف «التاء» في اللغة العربية. منذ أربعين عاماً ونحن نتحكم بالبلد. الآن في ضوء التحولات التي يشهدها العالم العربي، علينا أن نحكم بدلاً من أن نتحكم! نعم، انّه حرف التاء! علينا أن نقلب الطاولة. لا بديل من الحل السياسي. وباستطاعتنا ان نحكم أربعين سنة أخرى. على بعض المسؤولين أن يرحلوا قسراً أو طوعاً. البعض قد يحذو حذو محمود الزعبي وغازي كنعان. يُرسلْ آخرون الى المحاكمة ونضمن لهم أحكاماً مخفّفة، كما سيفعل اللبنانيون مع فايز كرم المتهم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي! الإصلاحات السياسية، والتي سوف تؤدي الى انتخابات تشريعية يجب أن تحصل. لأنني على يقين، أنّنا سنفوز بها، ولكن بتقديري بغالبية 65 في المئة. فالأقليات معنا، إضافة ليس فقط الى كبار رجال الأعمال السنّة، وبما يمثلون من ثقل مادي ومعنوي، بل أيضاً الى شريحة مهمّة من السنّة أنفسهم، التي، إن لم تكن مرتاحة، فهي ليست مستاءة من استمرارنا في الحكم. ثم ان الناس، تخاف من التغيير، لا بل من البديل المجهول. بالإمكان أيضاً ممارسة بعض الضغوط على الناخبين. لكنّ، علينا القيام بحملة إعلامية ذكية تنّبه الى المخاطر في حال عدم استمرارنا في الحكم ونعزف على وتر الاستقرار في البلد والمنطقة...».
لكنّ، الواضح، أنّ الرئيس السوري لم يعتمد السيناريو السياسي المقترح أعلاه. اعتمد الحل العسكري، فشنّ حرباً داخل بلاده. لعلّه نسيّ ما قاله كليمنصو: إياكم وأن تتركوا الحرب... بيد العسكر!
ترى، هل اعتماد الحل السياسي لا يزال ممكناً في سورية، أم أن الوقت فات؟!


عبد الرحمن عبد المولى الصلح
كاتب لبناني