بعضنا احتج على إبقاء حديث للرسول صلى الله عليه وسلم عن الصحابة في مكانه في المنهج وحذفه من مكان آخر. بعضنا احتج على إبقائه في المكانين وطالب بحذفه من كل المنهج.
في الأيام العادية الطبيعية. في لحظات التمدن. في الأوقات التي يسود فيها مفهوم الدولة والمواطنة والمستقبل الأفضل ويتسيد الدستور... يبدو ما ذكر سابقا «وجهة نظر» أو «تعديل علمي» يتوافق مع مقتضيات التطور أو لا يتوافق. أما في أيام الزحف الطائفي المذهبي الأسود البغيض على العقول والنفوس والحياة العامة والإدارة والدولة والمؤسسات والمجتمع، فلا يعتبر ما ذكر سابقا الا «نفخا في الكير» بغض النظر عن النيات الطيبة للمحتجين أو المؤيدين.
أصبح المجتمع الكويتي من الهشاشة بمكان بحيث تهزه كتابة «يهال» على الجدران. نتخاصم مذهبيا حتى ونحن نعلق على ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة. نقيس موقفنا من ممارسات هذا النظام أو ذاك من منظور سني أو شيعي. ننظر إلى هذا العالم أوذاك الشيخ من خلال لون عمامته وجبته ولحيته ونوع ثيابه وليس من خلال علمه واعتداله وتقدمه. وكلما زاد الجنون الطائفي من حولنا زاد جنوننا، وكأننا متلقون لا فاعلون، ومتأثرون لا مؤثرون، ومنخرطون في الهذيان بدل أن نكون في صفوف العقلاء الداعين إلى الوسطية والاعتدال.
وللأسف الشديد، بدأت أنظمة دينية وأخرى تدعي العلمانية تتباهى بأنها يمكن أن تحرك العامل الطائفي هنا أو هناك، وبدأت الردود عليها تتوالى بالمنطق نفسه... القنبلة المذهبية هي التي تثير الغبار الأصفر وتخلف الضرر الأكبر لكنها لا تستثني احدا ولا ترحم احدا.
قبل أيام حصلت حوادث في دول قريبة تتشابه مع عمليات «التفجير الطائفي عن بعد»، تماما كما تحضر بعض الأجهزة والأنظمة سيارة مفخخة لتفجيرها في الوقت الذي تعتقد انه يخدمها... نوعية المتفجرات لا تهم، انما المهم هو ضرب الاستقرار وتهديد الأمن والتأسيس لحالة دائمة تشغل السلطات عن التحديات التنموية الحقيقية. قد يكون المعتدي على رجل الأمن متطرفا سنيا من «القاعدة» وقد يكون متطرفا شيعيا مناصرا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الحالتين التطرف هو الهوية والسنة والشيعة منه براء بل هم أول من يدفع أثمان هذه الهوية الحارقة.
وقبل أيام أيضا حصل في مصر «أم الدنيا» ما يمكن اعتباره «أم الفتن» بين المسلمين والأقباط. ضاقت الرؤية لدى أصحاب العقول حول مبنى قيل إنه كنيسة هدمت ثم قيل إنه بيت عادي كان يستخدم ككنيسة ثم قيل إنه «مضافة» فقط. وإذا تم عطف ذلك على سلسلة من الأمور التي تشعر فريقا أساسيا في المجتمع أنه مغبون، إضافة إلى الشحن الطائفي اليومي من مختلف فئات المجتمع المصري والحديث عن فتح الباب لضغوط خارجية بحجة الحماية وغيرها، يمكن التكهن بأن مشروع زواج بين مسلم وقبطية يمكن ان يكون مشروع حرب بين عائلتين أو قريتين... تماما كما هو الحال مع تعيين محافظ مسيحي لهذه المنطقة أو محافظ مسلم لتلك المنطقة.
الحرب لا تبدأ مع طلقة الرصاص بل احيانا يكون الرصاص نهايتها التي تنقل المجتمع والدولة من حالة إلى أخرى. الحرب تبدأ مع تكبير صغائر الأمور غير المجمع عليها وتصغير حالات الإجماع الكبرى بهدف خلق فرقة وانقسام. هنا نجد كتائب رجال الدين المتطرفين تتقدم الصفوف، ونجد السياسيين التافهين المنغلقين العاجزين عن الخروج إلى الشمس والنور يتصدرون الأخبار لأن الزعيق يجلب صدى أكبر، ونجد المحبطين البائسين البسطاء مغسولي الأدمغة يشكلون الجمهور العريض لرجال الدين والسياسيين، مستعدين لفدائهم بالروح والدم لأنهم ربطوا لهم كل قضية بالواجب الديني والهدف المقدس والآخرة الفاخرة.
الحرب لا تبدأ مع طلقة الرصاص، وما نريده في الكويت ان تتوقف الحرب الدائرة حاليا فورا، فالصحابة الكرام الذين نجلهم ونحترمهم ونقتبس منهم خريطة طريق في التضحية والثبات والوفاء والإيمان والالتزام لا يحتاجون إلى فرقتنا وانقسامنا، ولا يريدوننا بالطبع أن نستخدم سيرتهم منبرا للاقتتال وتمزيق الجسد المسلم. والدين الاسلامي العظيم لا يحتاج لا إلى تجمع ثوابت سنة ولا إلى تجمع ثوابت شيعة ففيه من الاجماع ما يملأ الكرة الأرضية بأسرها، أما التجمعات المذهبية ففيها من الانقسامات ما يملأ نفوسا كثيرة ويحفر خنادق أكثر.
الحرب المذهبية التي تخاض مباشرة وبالواسطة في الكويت، تبدأ بالانحسار مع خروج المؤمنين بالجوهر الإنساني الحقيقي للدين وبقيم المجتمع المدني من عزلتهم ورفع أصواتهم... قبل أن يحرق الخلاف المقبل على استخدام «المسواك» الأخضر واليابس.
جاسم بودي
في الأيام العادية الطبيعية. في لحظات التمدن. في الأوقات التي يسود فيها مفهوم الدولة والمواطنة والمستقبل الأفضل ويتسيد الدستور... يبدو ما ذكر سابقا «وجهة نظر» أو «تعديل علمي» يتوافق مع مقتضيات التطور أو لا يتوافق. أما في أيام الزحف الطائفي المذهبي الأسود البغيض على العقول والنفوس والحياة العامة والإدارة والدولة والمؤسسات والمجتمع، فلا يعتبر ما ذكر سابقا الا «نفخا في الكير» بغض النظر عن النيات الطيبة للمحتجين أو المؤيدين.
أصبح المجتمع الكويتي من الهشاشة بمكان بحيث تهزه كتابة «يهال» على الجدران. نتخاصم مذهبيا حتى ونحن نعلق على ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة. نقيس موقفنا من ممارسات هذا النظام أو ذاك من منظور سني أو شيعي. ننظر إلى هذا العالم أوذاك الشيخ من خلال لون عمامته وجبته ولحيته ونوع ثيابه وليس من خلال علمه واعتداله وتقدمه. وكلما زاد الجنون الطائفي من حولنا زاد جنوننا، وكأننا متلقون لا فاعلون، ومتأثرون لا مؤثرون، ومنخرطون في الهذيان بدل أن نكون في صفوف العقلاء الداعين إلى الوسطية والاعتدال.
وللأسف الشديد، بدأت أنظمة دينية وأخرى تدعي العلمانية تتباهى بأنها يمكن أن تحرك العامل الطائفي هنا أو هناك، وبدأت الردود عليها تتوالى بالمنطق نفسه... القنبلة المذهبية هي التي تثير الغبار الأصفر وتخلف الضرر الأكبر لكنها لا تستثني احدا ولا ترحم احدا.
قبل أيام حصلت حوادث في دول قريبة تتشابه مع عمليات «التفجير الطائفي عن بعد»، تماما كما تحضر بعض الأجهزة والأنظمة سيارة مفخخة لتفجيرها في الوقت الذي تعتقد انه يخدمها... نوعية المتفجرات لا تهم، انما المهم هو ضرب الاستقرار وتهديد الأمن والتأسيس لحالة دائمة تشغل السلطات عن التحديات التنموية الحقيقية. قد يكون المعتدي على رجل الأمن متطرفا سنيا من «القاعدة» وقد يكون متطرفا شيعيا مناصرا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الحالتين التطرف هو الهوية والسنة والشيعة منه براء بل هم أول من يدفع أثمان هذه الهوية الحارقة.
وقبل أيام أيضا حصل في مصر «أم الدنيا» ما يمكن اعتباره «أم الفتن» بين المسلمين والأقباط. ضاقت الرؤية لدى أصحاب العقول حول مبنى قيل إنه كنيسة هدمت ثم قيل إنه بيت عادي كان يستخدم ككنيسة ثم قيل إنه «مضافة» فقط. وإذا تم عطف ذلك على سلسلة من الأمور التي تشعر فريقا أساسيا في المجتمع أنه مغبون، إضافة إلى الشحن الطائفي اليومي من مختلف فئات المجتمع المصري والحديث عن فتح الباب لضغوط خارجية بحجة الحماية وغيرها، يمكن التكهن بأن مشروع زواج بين مسلم وقبطية يمكن ان يكون مشروع حرب بين عائلتين أو قريتين... تماما كما هو الحال مع تعيين محافظ مسيحي لهذه المنطقة أو محافظ مسلم لتلك المنطقة.
الحرب لا تبدأ مع طلقة الرصاص بل احيانا يكون الرصاص نهايتها التي تنقل المجتمع والدولة من حالة إلى أخرى. الحرب تبدأ مع تكبير صغائر الأمور غير المجمع عليها وتصغير حالات الإجماع الكبرى بهدف خلق فرقة وانقسام. هنا نجد كتائب رجال الدين المتطرفين تتقدم الصفوف، ونجد السياسيين التافهين المنغلقين العاجزين عن الخروج إلى الشمس والنور يتصدرون الأخبار لأن الزعيق يجلب صدى أكبر، ونجد المحبطين البائسين البسطاء مغسولي الأدمغة يشكلون الجمهور العريض لرجال الدين والسياسيين، مستعدين لفدائهم بالروح والدم لأنهم ربطوا لهم كل قضية بالواجب الديني والهدف المقدس والآخرة الفاخرة.
الحرب لا تبدأ مع طلقة الرصاص، وما نريده في الكويت ان تتوقف الحرب الدائرة حاليا فورا، فالصحابة الكرام الذين نجلهم ونحترمهم ونقتبس منهم خريطة طريق في التضحية والثبات والوفاء والإيمان والالتزام لا يحتاجون إلى فرقتنا وانقسامنا، ولا يريدوننا بالطبع أن نستخدم سيرتهم منبرا للاقتتال وتمزيق الجسد المسلم. والدين الاسلامي العظيم لا يحتاج لا إلى تجمع ثوابت سنة ولا إلى تجمع ثوابت شيعة ففيه من الاجماع ما يملأ الكرة الأرضية بأسرها، أما التجمعات المذهبية ففيها من الانقسامات ما يملأ نفوسا كثيرة ويحفر خنادق أكثر.
الحرب المذهبية التي تخاض مباشرة وبالواسطة في الكويت، تبدأ بالانحسار مع خروج المؤمنين بالجوهر الإنساني الحقيقي للدين وبقيم المجتمع المدني من عزلتهم ورفع أصواتهم... قبل أن يحرق الخلاف المقبل على استخدام «المسواك» الأخضر واليابس.
جاسم بودي