من المفترض أن يحتل العرب أعلى درجة في المهارات الخطابية، لكن من استماعي إلى خطب رؤساء الدول في مؤتمر الجمعية العامة للامم المتحدة لاحظت ان العرب كانوا هم الاقل قدرة على الخطابة والاقناع، بالرغم من ان قضاياهم هي الاكثر عدالة.
باراك اوباما يمثل معجزة لغوية في حفظ خطابه ثم القائه لما يزيد على نصف الساعة دون ورقة ولا أخطاء ولا تردد، بعده جاء رئيس الوزراء التركي اردوغان الذي يستعين بورقة تحمل العناوين الرئيسية فقط. اما بعض الرؤساء العرب فقد كانوا يقرؤون خطابهم من ورقة، ومع هذا فلو كان سيبويه حيا لنتف شعر رأسه شعرة شعرة لما يسمعه من اخطاء بشعة!!
دعونا من المهارات اللغوية ودعونا ننظر في فحوى الخطب، اما بالنسبة لاوباما فقد شوّه صورته عندما تناقض مع نفسه في الخطاب بطريقة بشعة، ففي الوقت الذي يتشدق به بالحريات وبحق تقرير المصير للشعوب وثنائه على الثورة الليبية ودعمه لانتفاضة الشعب السوري، إذ به ينقلب على عقبيه عندما جاء الموضوع إلى فلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية حيث اوهم الناس بان اعتراف مجلس الامن بفلسطين لن يجدي نفعا وان الواجب هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الكيان الصهيوني للاتفاق على الحل.
بالطبع فإن اوباما لا يستطيع التصريح بانه لا يستطيع ان يقول غير ذلك والا فإن ولايته الثانية ستكون في مهب الريح بالرغم من ادراكه بان المفاوضات لم تجد نفعا منذ عشرات السنين، بل انه قد فشل خلال اكثر من ثلاث سنوات من حكمه في ان يجبر الكيان الصهيوني على وقف الاستيطان في الضفة الغربية، ولنفترض ان ما يقوله صحيح، فما الذي يمنع من اخذ الفلسطينيين اعترافا دوليا بدولتهم؟!
اعتقد إن أكبر جريمة يرتكبها العالم اليوم هي في جعل مصير العالم مرتهنا بأيدي خمس دول تتحكم فيه بحسب اهوائها ومصالحها، فالولايات المتحدة الاميركية لا تتورع عن مواجهة العالم كله بالفيتو في اي قضية تراها في مصلحتها، واذا كان 126 دولة على الاقل تؤيد قيام الدولة الفلسطينية، فإن حق الفيتو للولايات المتحدة يعني ان تلك الدول لا قيمة لها في ميزان العالم، فمتى ينتفض العالم الحر على تلك القوانين الظالمة؟! سيدرك الفلسطينيون عاجلا او آجلا ان لا خيار لهم غير القوة لنيل حقوقهم المسلوبة، فهذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم منذ فجر البشرية وهي التي اسقطها الفلسطينيون منذ زمن طويل وراحوا يلهثون وراء دول العالم لكي تحررهم من اعدائهم!!
بين نجاد ونتنياهو
خطاب أحمدي نجاد وخطاب نتنياهو كلاهما يمثل خطابات اصولية متشددة، اما احمدي نجاد فقد ذكر كثيرا من الحقائق حول تناقض المجتمع الدولي وازدواجية المعايير فيه ولكنه استخدم اسلوبا هجوميا يجعل الآخرين ينفرون منه بينما الخبيث نتنياهو استخدم خطابا عاطفيا حاول فيه كسب تأييد المجتمع الدولي للتعاطف مع دولته الشريرة وبرر كل ما يفعله بانه من اجل حماية بلاده بل والعالم من التطرف الاسلامي، ولست اشك بان الذي لا يدرك ما يجري في المنطقة سيقف بشدة مع نتنياهو ضد أحمدي نجاد.
أما أردوغان فقد استخدم خطابا قويا ودافع عن الفلسطينيين بقوة وهدد الاسرائيليين المعتدين ومع هذا فلم يدفع الحضور إلى ترك القاعة احتجاجا على كلامه كما فعل نجاد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا».

د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com