تكاد المفردات والكلمات والمصطلحات تتفق معي اتفاقا كليا لا جزئياً في ما سأكتبه وأُسّطِره عما يجول في ذهني من معاناة أعيشها في كل سبتمبر منذ ستة أعوام إلى يومي هذا؛ إنه في سبتمبر وتحديداً في العاشر منه عام 2005 فقدت نصفي الأول؛ وفقدت نصفي الآخر في الثلاثين من سبتمبر لعام 2010 ؛وبقيت جسدا بلا روح؛ قلبا بلا مشاعر؛ عروقا وشرايين بلا دم؛ جمجمة بلا عقل؛ ذهنا بلا تفكير.
إنها أعوام الأسى والحزن افتقدت فيها نبع ومنهل الحكمة والهيبة والصدق والإخلاص والشمائل الرفيعة؛ افتقدت فيها بسمة الصباح؛ وقبلة المساء؛ افتقدت فيها رموز ذات حنكة وتجربة؛ افتقدت فيها عقول تحتضن القيم والمبادئ والقناعات الصائبة؛ افتقدت فيها مرافئ الحنان؛ وممالك العطاء؛ افتقدت فيها آراء سديدة؛ ورموزا حصيفة؛ وشموخا أصيلة.
حياة بأحداثها ومواقفها وتاريخها نظموها ومنهجوها بمنظومة صغيرة لأسرة تتكون من خمسة أفراد وكان أساس وقوام هذه المنظومة قيما وقواعد وقناعات لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها؛ كل هذا افتقدته بين ليلة وضحاها؛ علموني معنى السعادة الحقيقية؛ وهي الرضا بالمقسوم؛ وهذه من سنن الله في الحياة حينما قال جل علاه «نحن قسمنا بينهم معيشتهم»... فالراحة والطمأنينة والاسترواح في الرضا والقناعة بما قسم الله لنا؛ ففي المعيشة قسمة؛ وفي التعب قسمة؛ وفي الضيق قسمة وفي السعة قسمة.
فكانت السعادة منهجا وأسلوب حياة لنا داخل وخارج المنزل بمفهومها الحقيقي وهو القبول والرضا والقناعة بقسمة الله لنا؛ كانوا كتلا من المشاعر والأحاسيس تمشي على الأرض، كانوا لنا كواكب وشهبا تنير لنا الطريق القويم المستقيم الذي يحمينا ويحصننا من الاعوجاج والزيغ خلف مغريات الحياة؛ علموني كيف أكون صلبة جلدة في تجسيد تعاليم الدين واسقاطها على الواقع لتكون أسلوبا وطريقا للخُلق والفكر السوي لكل سلوك وفعل وعمل، علموني كيف أكون عطوفة حنونة في تجسيد التعاليم الإنسانية من خلال تعاملي مع الناس.
فقد كانا نصفين أحدهما يكمل الآخر، كل له دوره ومهامه ومسؤولياته لا يتعدى أحدهما على الآخر، كانا وجهين لعملة واحدة، ما افتقده الأول يكمله الطرف الثاني، وما نقص عند الثاني يتممه الطرف الأول، إنهما السبيل لنا للاستقواء على مواجهة صروف الحياة، كانا يزوداننا بالطاقة والقدرة والاستطاعة لنمضي مضي العازمين المصرين الواثقين على تخطي الصعاب لتحقيق أهدافنا وطموحاتنا في الحياة من دون انزلاق أو تردد أو تراجع.
إنهما والداي فقدت أمي في صباح يوم السبت من شهر سبتمبر، وبعدها بخمسة أعوام وعشرين يوما فقدت والدي فجر يوم الخميس في شهر سبتمبر نفسه، لذا أطلق رجاءً وهجا لسبتمبر بالترفق بي بعد ما تجرعت جرعات المرارة والحسرة بفقد أمي وأبي في سبتمبر، وأصبحت خيالا من دون ظل وكنف، وأصبح قوتَ يومي الألم والتوجع على فراق حبيبين لا يعوضني عنهما ملك الدنيا، وسأظل أذرف الدمع عليهما إلى أن ألحق بهما. لقد مضى على فراقك يا أمي ستة أعوام وكأنها ست ساعات، ومضى على فراقك يا أبي عام واحد وكأنه ساعة واحدة، إن القلب ليحزن والعين لتدمع على فراقكما يا والديّ، اللهم بلغهما مني السلام واجمعني بهما في أعلى الجنان.


منى فهد العبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib