إعداد عبدالله متولي - القاهرة - من عبدالغني عبدالله
اشهر كتب ابن المقفع... كتاب جليل اذا حسب من تاريخ الكتابة الادبية كما انه اول الكتب على اسلوب ابن المقفع، اصل الكتاب اختلف عليه المؤرخون ونقاد الادب... حيث يقول لنا الفردوس ان ابن المقفع قام بترجمته من اللغة البهلوية (الفارسية) إلى اللغة العربية بينما ذهب البعض الآخر ان بعضا من الكتاب مقتبس وبعضه الآخر مترجم، في حين يرى اخرون ان اصل هذا الكتاب كان باللغة الهندية (مصطفى لطفي المنفلوطي- كليلة ودمنة- طبعة بيروت 1966). وذلك على الرغم من فقدان الاصل الهندي الذي تمت منه الترجمة إلى اللغة الفهلوية (البهلوية او الفارسية) التي فقدت هي الاخرى، ولم يتبق من هذا الكتاب سوى ترجمة ابن المقفع العربية والتي عنها نقلت إلى عدة لغات اخرى منها الفارسية نفسها إلى جانب السريانية واليونانية والروسية والانكليزية... وعن هذه التراجم نقلت بعض التراجم إلى لغات اخرى مختلفة (جورجي زيدان - مختصر تاريخ آدب اللغة العربية).
تعمق ابن المقفع في دراسة حالة المجتمع الذي كان يعيش فيه، وقد دفعه هذا التعمق إلى ان يستنكر الكثير من اوضاع هذا المجتمع... وارجع معظم هذه الاوضاع إلى حكام العصر الذي كان يعيش فيه، ورأى ان الحرية لم تكن متوافرة (كان يعيش زمن ابي جعفر المنصور) لدرجة ان ابن المقفع نفسه راح ضحية آرائه هذه حيث قتل في عام 142هـ (ضحى الاسلام- أحمد أمين ص1).
جوهر الكتاب وموضوعه واصالته في انه تحدث بلسان الحيوان وكان كتابا يكشف بالعلم والعقل والتلميح والطرافة، وليس هناك من شك ان الاصالة في اخراج هذا الكتاب دفعت الفنانين منذ العصر العباسي وحتى اليوم للتأثر به فرسموا وقائعه وصوروه في اغلب قصصه ووقائعه، والحقيقة تقول ان قصص كليلة ودمنة قد نالت الكثير من اهتمام المثقفين، والكثير من فناني الامم الشرقية، وعلى وجه الخصوص بعد الهجوم المغولي على الدولة العباسية وبغداد بالذات، وقد سعى المصور المسلم إلى تصوير قصصه وحكاياته والابداع والتفنن في تزويقها وابرازها بالصورة، وتدور فصوله وقصصه حول اسئلة يلقيها الملك دبشليم عن الفيلسوف بيدبا الذي يجيب عنها بأمثلة ذات مغزى سياسي او اجتماعي في صراحة او في تلميح.
قصص ذلك الكتاب نالت اهتمام الكثيرين ادباء ومثقفين ومهتمين بالتراث ومهتمين بفنون الاسلام، تصويرا وتزويقا وتلوينا وابداعا لإبراز ما به من قصص وحكايات، المكتبة الوطنية في باريس تضم بين جنباتها عدة مخطوطات مصورة، ويهمنا منها- كما يقول الدكتور خالد الجادر- يهمنا منها مخطوط واحد، تنتسب رسوله وتصاويره إلى المدرسة العربية التي تعرف احيانا باسم مدرسة بغداد، وهذا المخطوط هو اقدم نسخة مصورة لكتاب كليلة ودمنة الشهير ويعرف باسم «كليلة ودمنة- باريس» وهو يحتوي على 146 ورقة ومكتوب بخط النسخ وتضم اوراقه 98 صورة.
المعروف ان هذا المخطوط قد فقد منه بعض الاوراق، والملاحظ ان هذه الاوراق قد تمت استعاضتها بغيرها في زمن متأخر، كما ان اغلب وجوه الاشخاص قد تم محوها ثم اعيد رسمها بخط اسود خشن وبشكل قاس بعدما كانت ذات لون ورد وحس مرهف - ولا يوجد شيء يدل على اسم الناسخ لهذا المخطوط او اسم الرسام او المصور، ولا يوجد اثر لتاريخ المخطوط الكتابة او الرسم، الا ان نقاد الفنون ومؤرخيها ومؤرخي الفنون الاسلامية يقترحون له تاريخا يدور حول عام 1220 ميلادية إلى عام 1230 ميلادية.
تقترب الوحدات الفنية النباتية والزخرفية العامة من قواعد واسلوب مخطوطات الحريري في باريس، ويتمثل ذلك في رسم شريط آخر مزين بالورود، وكتل الموضوع غير متناظرة او متماثلة الا في صورة الاهداء او المقدمة، ونلاحظ ان الماء قد رسم على شكل خطوط منحنية او متكسرة ويظهر فيها السمك وجاء رسم الاشخاص فقد تم على بعد واحد من المصور او الرسام والبعد الثالث غير موجود بالنسبة للجميع.
الرسام مجهول كما سبق وقدمنا، انما هو قد عبر عن النص تعبيرا يعكس سعة خياله واستيعابه له مع محافظته على الطابع الخاص للانسان او الحيوان، ونجد ان الفيلسوف بيدبا يبدو بلحيته البيضاء بشكل هادئ جدا وبنمط متميز، ونجح الفنان في ان يضيف مسحة واضحة من الحكمة رغم اختلاف الظروف والاوضاع التي مر بها سواء اكان في السجن او في موقف الناصح للملك او في حالة الاصغاء.
كل الوجوه تظهر بالشكل المقابل وليست هناك وجوه جانبيةوربما احيانا بثلاثة ارباع، اما صور الحيوانات فقد رسمت كلها بشكل جانبي، ولا ننسى ان هناك بعض الوجود محاطة بالهالة الذهبية الشهيرة والمعهودة، والملابس رسمت بزخرفة هندسية او نباتية تجريدية.
الالوان المستخدمة بشكل عام تحفل بالحياة وحاول الفنان قدر الامكان الابتعاد عن الطبيعة وغير مطابق للواقع، مثلا رسم نبات آوى اللون الاحمر القاني وبلون وردي ثم بعد ذلك جاءت رقابها باللون الازرق اما بطونها وذيولها فقد تم رسمها بلون ذهبي (خالد عبدالجادر) التيجان ذهبية على الرؤوس والكتاب فريد في موضوعاته وقصصه وتصاويره واغطية الرأس تتشابه مع حريري باريس وطول الرقاب واوضاع الاشخاص والعمارة والاثاث وتصوير النبات... تأخذ المواصفات نفسها ما يدل على انهما ينتميان إلى مدرسة فنية اسلامية واحدة.