في الحديث عنها، وابلٌ صيّب من الكلم الطيّب، يهطل على الفكر فيكسوه حلّة من الدّر، فتنغمر النفوس بسحر الشعور، لينعكس على الأفعال بهالة من نور، قبل الاسترسال أود أن أبين حاجتي من المقال، ليس التوجيه ولا النقد ولا النصح مأربي، إنما هو البوح ومشاركتكم خلجات الروح وأشجانها هو مقصدي، فإليكم يا كرام حروفي عن «العَشرة» التي كانت هي المرام!
فكان الشعور... كأن الأيام الأُوَل من رمضان تدريباً وترويضاً على اقتناص الفُرص وجبر النّقص، وتهيئةً إلهيةً على خوض صفقة رأسمالها «عَشرة» موهوبة بلا عناء عطيّة وهديّة من دون شقاء، ليست عَشرة من الدنانير ولا من السّبائك ولا الماس! لا... هي أثمن من ذلك بأضعاف الأضعاف وخسارتها هي عين الإفلاس، إنها العَشر الأواخر من رمضان، صفقةٌ بيد تاجرها وضمانة ربحها يحكمها مستوى الإيمان، فإن جاهدت لرفعه أحرزت ربحاً عظيماً ويضاعف الله لمن يشاء، وإن تركته يتنازل فالخسارة الخسارة ولا عزاء!
وكان الشعور... يتطاير ويتماوج من السرور، نتاج تأمّل بفضل المنّان ورحمة الرحمن بأنه جعل الفضل في العشر الأواخر من رمضان، لِمَ لم تكن الأولى أو الوسطى؟ وكأن الإنسان بالأولى يتهيّأ ويتدرّب، فيشحذ همّته وعزيمته ويقهر التعب، ثم يصيبه مللٌ وفتور فمنّا من يُجاهد ومنّا من يستسلم لهذه الأمور، فتغدو الحال بين شد وجذب مع النَّفْس ومشاكستها ليطول بالعبادات النَّفَس، ثم تأتي أثمن الليال والنفوس لها بإذن الله مُتهيئة والقلوب مُتشوقة والأرواح مُتلهفة، لأنها تعلم أن العشر الأواخر هي الفرصة الأخيرة، ففي هذه العشر تتأنق الروح وتترفّه، والقلب بلياليها يستروِح، فكم هي نعمةٌ عظيمة أنها كانت الأخيرة!
وكان الشعور... يقفز بداخلي كأنه يود أن يُمسك بالنور، وذلك بعد سياحة فكر في أفق العَشر، فتلك العَشرة الثمينة تحوي بداخلها ليلة يتيمة، هي أفضل من العَشر بل أفضل من كل الشهر بل هي خير من ألف شهر إنها ليلة القدر، أي عمل وطاعة وعبادة في هذه الليلة خير من العمل لمدّة ألف شهر! فمن حرَص على استثمار العشر كلّها أو وترها لا شك من أن يدرك درّتها، ومن غلبه التقاعس والكسل فبإدراكها ضَعُف الأمل!
وكان الشعور... فرحةٌ عامرة ولذةٌ غامرة بِحِسبةٍ تساعد في التغلب على الفتور، فنحن أمّة عوّضنا الله عن قصر أعمارنا بالبركة في أعمالنا، فببلوغ ليلة القدر التي تُقدّر بخير من ألف شهر، وكأننا عملنا لمدة ثلاث وثمانين سنة وأشهر عدة، فمن مات وعمره بالستين ونقول انه بلغ سن التكليف في الخامسة عشرة مثلاً فيعني أنه أدرك رمضان خمسا وأربعين مرّة وذلك يعني أن مقدار عبادته يعادل ثلاثة آلاف وسبعمئة وخمسين عاماً! كم هي منحة عظيمة وعطيّة كريمة هذه الليلة.
مازال رمضان يَتنفس ومازالت قلوبنا تنبض، فلنحتضن الصبر والعزم والاصرار ولنترشّف منهم ترشّفاً يروينا ويعيننا على المواصلة، فكلّها بضع ليال وتطوى صفحة رمضان، وعلى أن نبلغه في أعوام مقبلة لا ضمان، فإما رابحٌ وإما خسران!


عائشة عبد المجيد العوضي
A.alawadhi-85@hotmail.com
Twitter: @3ysha_85