تعجّ الساحة العربية بالأحداث الساخنة الوهاجة بالمآسي المتتالية؛ بسبب تردد وتذبذب قادة الفكر وقادة الرأي؛ وأصحاب المسؤولية؛ ظناً منهم أن بالابتعاد والخروج من حلبة الملعب سيكون إصلاح الأمور أحكم وأنضج.
يا سادة... حين نكون ضعفاء بين أقوياء؛ وجهلاء بين متعلمين؛ وفوضويين بين منظمين؛ حتماً فإن جميع مشكلاتهم ستحل على حسابنا؛ وهنا لابد أن ننهض بالأمة؛ ونرتقي بها بقدر الإمكان.
من المهم أن نعي أن نقطة البداية بشكل عام لإنقاذ وانتشال العالم العربي من وحل التردي والانكفاء والتراجع؛ هي أن يسعى هذا العالم لتكون أمته عظيمة وقوية؛ ولكن الأهم أن نبدأ بنقطة البداية الخاصة والتي تنطلق من انقاذ الفرد لنفسه ليكون ذا عقلية عربية جديدة وقبل أن يفكر بإنقاذ الأمة عليه أن يعمل جاهداً على صلاح أسرته؛ ويتقدم بالمسير في حلكة الظلام حاملاً مصباح الإصرار الذي ينير له الدروب؛ وبهذا نكون أحرزنا الجانب المهم من المقومات الأساسية للنهوض والارتقاء بالأمة إلى المعالي.
حين تجتهد وتربي نفسك على الأخلاق الربانية المحمدية؛ وتلتزم بالآداب؛ وتزكي هذه النفس وتطهرها بين الفينة والأخرى، وتخلي القلب من كل ما يشوبه ويعكره؛ وتحليه بالأخلاق والآداب التي تمحصه وتزيل الصدأ الذي تراكم عليه؛ ومن ثم تستثمر كل تلك المعطيات وغيرها بمسالكها السليمة التي لا يعترضها عائق؛ بالطبع ستكون مخرجاتك شخصا عربيا بحلة جديدة وهذا حتما سينعكس على أسرتك وسيتشربون أفكارك المحملة بالمفاهيم والقناعات والمبادئ المستقاة من مصدرها الثابت؛ وسيبلور كل فرد من أسرتك هذه الأفكار على أرض الواقع وتنشر وتعمم بين أفراد المجتمع، وسنرى مجتمعاً صحيا ناضجا واعيا لكل ما يدور من حوله، ويدرك أنه لابد أن يكون الأقوى من بين الأقوياء؛ والأعلم من بين المتعلمي؛ والأنظم من بين المنظمين، ينظم أفكاره وشعوره وسلوكه وكل ما يملك من قدرات وإمكانات يجعلها منظمة ومرتبة ومجمعة ومتى ما احتاج إليها أطلقها حزمة واحدة ليصيب أعداء الأمة بالذهول والاستحسان بالفرد العربي الجديد الذي بزغ فجره وسط أحداث تترنم به تارة يمينا وتارة شمالا؛ ويثبت وجوده الفعلي بصنع واتخاذ القرار الذي يقود الأمة إلى الأمام للصعود إلى القمة.
وحتى نحقق ونصل إلى ما ذكرناه سابقا ونرتقي بالأمة أجمعها علينا برفع الهمم إلى القمم؛ ونوقن جازمين أن مصلحة الفرد الحقيقية هي عين مصلحة بلاده وأمته؛ وذلك على المستويين المعنوي والمادي؛ وبوضوح مسارنا وثبات خطانا حتى إذا ما انحرفنا وحدنا تلمسنا طريق العودة للمسار الصحيح؛ ولن يتم كل ما ذكرناه سلفا إلا بالتوازن الذي هو أحد أسرار الحياة السعيدة والمنتجة وهذا التوازن يكمن في عدم ترجيح كفة دون الأخرى أي أن نتذكر حاجاتنا ونحن نؤدي واجباتنا تجاه أمتنا؛ وأن نهتم بواجباتنا ونحن نُشبع حاجاتنا؛ ولتكن قاعدتنا للحركة على الصعيد الشخصي حتى نحقق التوافق بين الحاجات والواجبات هي أنه ليس هناك إنسان ضعيف ولكن هناك كثير من الناس لا تعرف نقاط قوتها؛ والإنسان لا يخفق ويفشل إلا عندما يتراجع وينثني عن المحاولة التي ترتقي به وتوصله إلى مبتغاه وأمانه النفسي.


منى فهد العبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib