ليس من الافتئات على المنطق أن نقول بأن كل ما يخسره ما يسمى بمعسكر الاعتدال من مواقع هو مكسب لمعسكر المقاومة والممانعة، وأن كل خسارة قد تحدث عند معسكر الممانعة فهي تصب في صالح معسكر الاعتدال... وأن من نافلة القول التصريح بأن ما يسمى بمعسكر الاعتدال ما هو في الحقيقة إلا المعسكر الحليف والممثل والحافظ للمصالح الأميركية في المنطقة، وأن كل ما يخسره هو خسارة للأميركيين كذلك، وبما أن كل ما تخسره أميركا في منطقتنا هو خسارة لإسرائيل بحكم التحالف بل والتطابق بين أجندتيهما فإن خسارة معسكر الاعتدال تعتبر خسارة لأميركا وإسرائيل في الوقت نفسه.
باستقراء واقع المنطقة والمآلات التي وصلها كل من المعسكرين حتى الآن نرى بأن معسكر الاعتدال قد خسر الكثير كماً ونوعاً، فهو قد خسر نظام بن علي في تونس، وما أدراك ماذا كان يعني نظامه بالنسبة لهذا المعسكر والمصالح الأميركية والاسرائيلية خصوصا على المستوى الأمني والاستخباراتي، ومكانته المتقدمة في التنسيق الاستخباراتي مع الكيان الصهيوني كما كشفت ويكيليكس والوثائق والوقائع التي كشفها الثوار، وخسارة كهذه من حيث الحجم والكيف لاشك بأنها ستكون ربحاً وفيراً في رصيد معسكر الممانعة والمقاومة... أقلها أنه قد ازيحت عن كاهل وطريق المقاومين كل هذه الماكينة الأمنية والقمعية والاستخباراتية، وخسر العدو الصهيوني ذراعاً متقدمة في داخل جسد الأمة.
الخسارة الثانية لمعسكر الاعتدال هي خسارة من النوع الكارثي لأنه قد خسر فيها أحد قطبيه أو عموديه الرئيسيين... خسر فيها نظام كامب ديفد في مصر الذي مثله نظام حسني مبارك، وهذه الخسارة الكارثية لا يمكن الإحاطة بجميع جوانبها لما لهذا النظام من دور محوري في جميع ما كان يجري في منطقتنا، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً وإعلامياً وفنياً وعسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، وغير ذلك. فسياسياً كان متواجداً بمستويات وجوانب كثيرة ومختلفة... في الجانب العربي العام في فلسطين والخليج والشمال الافريقي، وفي الجانب الأفريقي في السودان ودول حوض النيل، وفي الجانب البحرمتوسطي كان في لبنان وسورية، وفي اتفاقيات دول الحوض المتوسطي. واقتصادياً كان وجوده الرئيسي في جانب العقول والقوى العاملة، وكان موجوداً في الجانب الثقافي والتربوي والتعليمي، والجانب الإعلامي والفني وغيرها من الجوانب المدنية التي تؤثر فيها مصر كدولة ومن خلالها كان تأثير نظام مبارك. أما الجوانب العسكرية والامنية والاستخباراتية فكانت في غاية الاهمية للمصالح الأميركية ومعسكر الاعتدال ولذلك كانت خسارتها فيها تعتبر خسارة فادحة لا يمكن تعويضها في المدى المنظور في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، ولا اعتقد بأن هناك حاجة لتبيان كم كسب المعسكر المقاوم والممانع من سقوط نظام مبارك.
أما ما يخص اليمن والبحرين فتضعضع الأوضاع فيهما لحلفاء رئيسيين للولايات المتحدة وأعضاء مهمين في معسكر الاعتدال لا يمكن الا ان يكون له واقع سلبي على هذا المعسكر وقد يكون كارثيا ضمن بعض السيناريوات لأنظمة معينة فيه، فنحن نرى أنه ورغم التدخل المباشر ذي الأثمان الباهظة الذي أقدمت عليه السعودية الا أن الأوضاع لا تسير باتجاة مصلحة معسكر الاعتدال في اليمن وفي البحرين، فالتظاهرات مازالت تجتاح البلدين بشكل يومي وبانتشار واسع.
أما في سورية فرغم أن الأمور لم تحسم بعد لصالح النظام إلا أن القراءة الموضوعية البعيدة عن التمنيات ترى بأن النظام باقٍ أقلها في الأجندة الخاصة بالسياسة الخارجية والعسكرية والاستخباراتية ولن يحدث في هذا الجانب أي تغيير لصالح معسكر الاعتدال، أما التحولات الداخلية فستشهد تحولاً بل ربما انقلاباً يمس جذورالنظام.
ليبيا لها وضع خاص فهي لم تكن في أي من المعسكرين بشكل واضح او دائم، ولا يعلم لأي من المعسكرين سوف يكون مآلها رغم الدعم الكبير الذي تحاول القوى الغربية ومعسكر الاعتدال تقديمه للمعارضة إلا أنه من الواضح ضعف عامل الثقة المتبادلة بين الأطراف.
من الواضح بأن معسكر الاعتدال ومعه أميركا والغرب لم يستسلم لنتائج الثورات المخيبة لأجنداته في كل هذه الدول، فهو يحاول أن يعكس مفاعيلها عبر الثورات المضادة الناعمة بعد أن فشلت الآلة القمعية الحديدية في منع الثورات وإخمادها، فنحن نشاهد الآن في كل من هذه البلدان استخداماً لأدوات الحرب الناعمة أبرزها الإعلامية والاستخباراتية الفتنوية، بالإضافة الى ادوات العصا والجزرة الاقتصادية للضغط على حكوماتها الجديدة، ولكننا نشاهد كذلك في هذه الدول ثورات شعبية مضادة لهذه الثورات المضادة كما هو واضح من تجدد الاعتصامات في الميادين في تونس ومصر، واستمرار الاعتصامات والتظاهرات في اليمن والبحرين.
أما في لبنان فمن الواضح بأن معسكر الاعتدال قد خسر الحكم والحليف وما يقرب من كل النفوذ.
المشهد في داخل وحول معسكر الاعتدال داكن وكئيب خصوصاً إذا أضفنا له الإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان ومواجهة الأميركيين لمصير الطرد خارج هذين البلدين، عسكريا وسياسيا وأمنيا، النتيجة حتى الآن واضحة في المنطقة لصالح معسكر الممانعة والمقاومة ولكن بأي اتجاه تسير... هل لمزيد من الخسارة لمعسكر الاعتدال وأميركا أم باتجاه وقف الخسائر وتحويل الاتجاه تصاعديا؟
لا يبدو من المشهد بأن الأمور ستسير لصالح هذا المعسكر في المستقبل المنظور فبوادر التأثر بما يجري في المنطقة خصوصاً اليمن والبحرين قد بدأت تظهر في السعودية على شكل احتجاجات في الشوارع في بعض المناطق أو اعتصامات لإطلاق المعتقلين، أو احتجاجات واسعة عبر وسائل التواصل الإلكتروني في الفيسبوك وتويتر، وظهور نبرة خطاب حادة غير مسبوقة ما يوحي بانكسار كثير من الحواجز النفسية.
أما الحال في بقية معسكر الاعتدال... في الأردن والمغرب فالمطالبات الشعبية بالإصلاح والاستجابة لها جزئيا لا تصب في مصلحة الأجندة الأميركية لأن القوى المعارضة التي ستصب هذه الاصلاحات في خانتها في هذه الدول هي قوى مؤيدة للثورات العربية ومناوئة للأنظمة الساقطة ولأسرائيل، أي انها مناوئة للأجندة الأميركية وأجندة معسكر الاعتدال.
في الخلاصة... المستقبل في المنطقة هو للنهج الممانع والمقاوم وعلى الجميع وفي كل المواقع في المنطقة وفي العالم أن يوطن نفسه على تقبل هذه الحقيقة والتعامل معها.
د. ياسر الصالح
كاتب وأكاديمي كويتي
Twitter: @dryasseralsaleh
yasseralsaleh@hotmail.com
باستقراء واقع المنطقة والمآلات التي وصلها كل من المعسكرين حتى الآن نرى بأن معسكر الاعتدال قد خسر الكثير كماً ونوعاً، فهو قد خسر نظام بن علي في تونس، وما أدراك ماذا كان يعني نظامه بالنسبة لهذا المعسكر والمصالح الأميركية والاسرائيلية خصوصا على المستوى الأمني والاستخباراتي، ومكانته المتقدمة في التنسيق الاستخباراتي مع الكيان الصهيوني كما كشفت ويكيليكس والوثائق والوقائع التي كشفها الثوار، وخسارة كهذه من حيث الحجم والكيف لاشك بأنها ستكون ربحاً وفيراً في رصيد معسكر الممانعة والمقاومة... أقلها أنه قد ازيحت عن كاهل وطريق المقاومين كل هذه الماكينة الأمنية والقمعية والاستخباراتية، وخسر العدو الصهيوني ذراعاً متقدمة في داخل جسد الأمة.
الخسارة الثانية لمعسكر الاعتدال هي خسارة من النوع الكارثي لأنه قد خسر فيها أحد قطبيه أو عموديه الرئيسيين... خسر فيها نظام كامب ديفد في مصر الذي مثله نظام حسني مبارك، وهذه الخسارة الكارثية لا يمكن الإحاطة بجميع جوانبها لما لهذا النظام من دور محوري في جميع ما كان يجري في منطقتنا، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً وإعلامياً وفنياً وعسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، وغير ذلك. فسياسياً كان متواجداً بمستويات وجوانب كثيرة ومختلفة... في الجانب العربي العام في فلسطين والخليج والشمال الافريقي، وفي الجانب الأفريقي في السودان ودول حوض النيل، وفي الجانب البحرمتوسطي كان في لبنان وسورية، وفي اتفاقيات دول الحوض المتوسطي. واقتصادياً كان وجوده الرئيسي في جانب العقول والقوى العاملة، وكان موجوداً في الجانب الثقافي والتربوي والتعليمي، والجانب الإعلامي والفني وغيرها من الجوانب المدنية التي تؤثر فيها مصر كدولة ومن خلالها كان تأثير نظام مبارك. أما الجوانب العسكرية والامنية والاستخباراتية فكانت في غاية الاهمية للمصالح الأميركية ومعسكر الاعتدال ولذلك كانت خسارتها فيها تعتبر خسارة فادحة لا يمكن تعويضها في المدى المنظور في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، ولا اعتقد بأن هناك حاجة لتبيان كم كسب المعسكر المقاوم والممانع من سقوط نظام مبارك.
أما ما يخص اليمن والبحرين فتضعضع الأوضاع فيهما لحلفاء رئيسيين للولايات المتحدة وأعضاء مهمين في معسكر الاعتدال لا يمكن الا ان يكون له واقع سلبي على هذا المعسكر وقد يكون كارثيا ضمن بعض السيناريوات لأنظمة معينة فيه، فنحن نرى أنه ورغم التدخل المباشر ذي الأثمان الباهظة الذي أقدمت عليه السعودية الا أن الأوضاع لا تسير باتجاة مصلحة معسكر الاعتدال في اليمن وفي البحرين، فالتظاهرات مازالت تجتاح البلدين بشكل يومي وبانتشار واسع.
أما في سورية فرغم أن الأمور لم تحسم بعد لصالح النظام إلا أن القراءة الموضوعية البعيدة عن التمنيات ترى بأن النظام باقٍ أقلها في الأجندة الخاصة بالسياسة الخارجية والعسكرية والاستخباراتية ولن يحدث في هذا الجانب أي تغيير لصالح معسكر الاعتدال، أما التحولات الداخلية فستشهد تحولاً بل ربما انقلاباً يمس جذورالنظام.
ليبيا لها وضع خاص فهي لم تكن في أي من المعسكرين بشكل واضح او دائم، ولا يعلم لأي من المعسكرين سوف يكون مآلها رغم الدعم الكبير الذي تحاول القوى الغربية ومعسكر الاعتدال تقديمه للمعارضة إلا أنه من الواضح ضعف عامل الثقة المتبادلة بين الأطراف.
من الواضح بأن معسكر الاعتدال ومعه أميركا والغرب لم يستسلم لنتائج الثورات المخيبة لأجنداته في كل هذه الدول، فهو يحاول أن يعكس مفاعيلها عبر الثورات المضادة الناعمة بعد أن فشلت الآلة القمعية الحديدية في منع الثورات وإخمادها، فنحن نشاهد الآن في كل من هذه البلدان استخداماً لأدوات الحرب الناعمة أبرزها الإعلامية والاستخباراتية الفتنوية، بالإضافة الى ادوات العصا والجزرة الاقتصادية للضغط على حكوماتها الجديدة، ولكننا نشاهد كذلك في هذه الدول ثورات شعبية مضادة لهذه الثورات المضادة كما هو واضح من تجدد الاعتصامات في الميادين في تونس ومصر، واستمرار الاعتصامات والتظاهرات في اليمن والبحرين.
أما في لبنان فمن الواضح بأن معسكر الاعتدال قد خسر الحكم والحليف وما يقرب من كل النفوذ.
المشهد في داخل وحول معسكر الاعتدال داكن وكئيب خصوصاً إذا أضفنا له الإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان ومواجهة الأميركيين لمصير الطرد خارج هذين البلدين، عسكريا وسياسيا وأمنيا، النتيجة حتى الآن واضحة في المنطقة لصالح معسكر الممانعة والمقاومة ولكن بأي اتجاه تسير... هل لمزيد من الخسارة لمعسكر الاعتدال وأميركا أم باتجاه وقف الخسائر وتحويل الاتجاه تصاعديا؟
لا يبدو من المشهد بأن الأمور ستسير لصالح هذا المعسكر في المستقبل المنظور فبوادر التأثر بما يجري في المنطقة خصوصاً اليمن والبحرين قد بدأت تظهر في السعودية على شكل احتجاجات في الشوارع في بعض المناطق أو اعتصامات لإطلاق المعتقلين، أو احتجاجات واسعة عبر وسائل التواصل الإلكتروني في الفيسبوك وتويتر، وظهور نبرة خطاب حادة غير مسبوقة ما يوحي بانكسار كثير من الحواجز النفسية.
أما الحال في بقية معسكر الاعتدال... في الأردن والمغرب فالمطالبات الشعبية بالإصلاح والاستجابة لها جزئيا لا تصب في مصلحة الأجندة الأميركية لأن القوى المعارضة التي ستصب هذه الاصلاحات في خانتها في هذه الدول هي قوى مؤيدة للثورات العربية ومناوئة للأنظمة الساقطة ولأسرائيل، أي انها مناوئة للأجندة الأميركية وأجندة معسكر الاعتدال.
في الخلاصة... المستقبل في المنطقة هو للنهج الممانع والمقاوم وعلى الجميع وفي كل المواقع في المنطقة وفي العالم أن يوطن نفسه على تقبل هذه الحقيقة والتعامل معها.
د. ياسر الصالح
كاتب وأكاديمي كويتي
Twitter: @dryasseralsaleh
yasseralsaleh@hotmail.com