ما زال البعض يخلط بين الليبرالية والتقدمية، بل يرى هذا البعض أن الليبرالية هي قمة المبتغى، وهي المثال الأعلى، وأنها ضد الرجعية، وهذا بالتأكيد فهم مغلوط، ولا يستند إلى التمحيص والتدقيق.
وصحيح أن الليبرالية والتقدمية، يتفقان في ما بينهما في ما يخص بعض الحريات الشخصية، ولكنهما يختلفان مثلاً في حرية الأسواق، أو ما يسمى بسياسة النيوليبرالية، ويختلفان في الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتقدم المجتمعات، كما أن الليبرالية لا تهتم بمطالب العمال، وفئات محدوي الدخل والمهمشين، بينما تدافع التقدمية عن كل فئات المجتمع، وبالأخص الطبقات العاملة، والفئات المهمشة من المجتمع.
إن كل الشرور في العالم اليوم، والظلم والاستغلال والأزمات الاقتصادية، كلها بسبب الليبرالية والسياسة الاقتصادية النيوليبرالية، التي تزيد من غنى الأفراد والدول الغنية، وتزيد من فقر الفقراء والدول الفقيرة، والليبرالية لا تتوانى عن شن حروب وحشية، من أجل تعاظم الربح.
والليبرالية لا أخلاقية، فهي لا تتوانى عن الفساد والرشوة، ولا يهمها صحة الإنسان أو تعليمه أو رعايته الاجتماعية، مالم تحقق هذه الخدمات الربح لها، حتى عن طريق الغش، كما لا تتوانى عن التحالف مع الرجعية والإرهاب، كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية، التي استخدمت الإرهاب ذريعة لشن حروب عدوانية على الشعوب، كما تحالفت أخيراً مع الاخوان المسلمين والجماعات السلفية في مصر، من أجل الانقلاب على ثورة الشعب المصري.
وتفسير الليبرالية لتطور التاريخ، يختلف اختلافاً جذرياً عن التحليل التقدمي للتاريخ وتطور المجتمعات، فالأولى ترى التاريخ بأنه حوادث متعاقبة ومنفصلة عن بعضها، بينما ترى التقدمية التاريخ، على أنه يخضع لقوانين علمية موضوعية، أي تعمل خارج وعينا ورغماً عنه، والوعي بهذا العلم يساهم في تطور المجتمعات، كما أن الليبرالية ترى أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، بينما التقدمية ترى أن الرأسمالية هي مرحلة من مراحل التاريخ.
والليبرالية ترى في الاقتصاد، ضرورة حرية الأسواق والتنافس الحر، بينما ترى التقدمية ضرورة رعاية الدولة للخدمات وللإنسان، وإن التناقض الرئيسي هو بين العمل وبين رأس المال، ما يجعل التقدمية مناقضة لليبرالية.
الليبرالية تركز على الديموقراطية السياسية، وتهمل الديموقراطية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، بينما التقدمية تركز على الديموقراطية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، دون أن تهمل الديموقراطية السياسية، بل تقرنهما معاً.
والذين يرون أن التقدمية أتت من الليبرالية، لا يرون أبعد من جزئية الحريات، بل لا يرون أن بين الاثنتين تناقضاً، وعداء في كثير من الأحيان، خاصة في ما يتعلق بالإنسان ونمط حياته، ومستوى معيشته، فالليبرالية ترى أن سبب فقر الناس هو غباؤهم وكسلهم، أما التقدمية فترى أن الفقر ناتج عن استغلال الإنسان، واضطرار الإنسان إلى بيع قوة عمله.


وليد الرجيب
osbohatw@gmail.com