من طبيعة الإنسان أنه يصيب ويخطئ ويحسن ويسيء، ولهذا يحتاج الإنسان منا إلى الاعتذار ممن أخطأ في حقه وكما قال عليه الصلاة والسلام «خير الخطائين التوابون» والتوبة اعتذار.
كثرة مخالطتنا للناس وحاجتنا للتعامل معهم، قد يتخللها الوقوع في الخطأ أو إلحاق الأذى النفسي أو البدني بهم، ولكن بالاعتذار لمن أسأنا قد نعالج ما جرحنا.
يذكر أن الصحابي أبا ذر الغفاري سخر من بلال الحبشي فعيره بأمه، فذهب بلال يشتكي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي قال لأبي ذر: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خده على التراب وقال لبلال طأ على رأسي وخذ حقك، فقال بلال: لا أطأ رأساً سجد لله تعالى.
ومن جميل ما قرأت في الاعتذار أن الحسن بن الحسن أساء لزين العابدين علي بن الحسين أمام أصحابه فلم يرد عليه، وبعد انصرافه تبعه علي بن الحسين إلى بيته وقال: إن كنت يا أخي محقاً فيما قلت غفر الله لي، وإن كنت غير ذلك غفر الله لك والسلام، فما كان من الحسن إلا أن احتضن زين العابدين وبكى بين يديه وقال لا عدت إلى ذلك الأذى أبداً.
من المؤلم أن نرى خلق الاعتذار عند الأجانب، ونفقده عند كثير من المسلمين، ففي الغرب قد يصطدم بك شخص من دون قصد فيعتذر، وقد يبدر منه ما يضايقك فيبادرك بكلمة sorry.
وحتى لو كان رئيس دولة ثم أخطأ في حق شعبه فإنه يعتذر، والكل يتذكر اعتذار الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون في فضيحته مع موظفة البيت الأبيض.
أما في الوطن العربي فغالباً ما تأخذ المخطئ العزة بالإثم، ويرى في الاعتذار انتقاصاً من شأنه، فمن من الزعماء العرب السابقين أو الحاليين سمعتموه يوماً يعتذر لشعبه عن إساءته لإدارة بلده، من منهم اعتذر عن كارثة وقعت أو أزمة حصلت؟ بل على العكس من ذلك هو الذي يطالب شعبه بالاعتذار، وتجديد الولاء.
إننا في حياتنا اليومية لنمر في مواقف، يتحول فيها الضحية إلى مجرم، والمحسن إلى مسيء، يصدم شخص ما سيارتك، فيقبل عليك وبدل الاعتذار يبدأ بشتمك وتحميلك المسؤولية.
إن التعالي عن الاعتذار هو من أخلاق إبليس الذي عصى ربه، وتكبر عن الاعتذار والاعتراف بالخطأ، ومن الناس من تأخذه العزة بالإثم فيكون حاله كما قال القائل:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم
وتخطئون فنأتيكم فنعتذر
ليس عيباً أن يعتذر الرجل من زوجته، ولا المعلم من تلميذه، ولا الرئيس من شعبه، فكل هؤلاء دون منزلة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومع ذلك نراه في مرض موت يخطب في أصحابه قائلاً: «أيها الناس، من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني اليوم (أي فليقتص مني)، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني اليوم، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد مني اليوم قبل ألا يكون هناك دينار ولا درهم».
وفي المقابل نقول انه من أتاه أخوه معتذرا فليقبل عذره وليعف عن زلته، وكما قال يوسف لإخوته «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين».
ومن لم يقبل اعتذار أخيه أصبح ساعتها هو المسيء
إذا اعتذر الجاني محا العذرُ ذنبَه
وكان الذي لا يقبل العذرَ جانيا
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.


عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com