| نادين البدير |
هذه الجملة كانت ضمن مقدمة رسالة بعثها لي أحد القراء (طبعا يا أستاذة لأنك لا تؤمني بالقرآن ولا بالنبي....) لحظة. لحظة قبل أن أكمل رسالتك السطحية. كيف حكمت أني لا أؤمن بالقرآن ولا بالنبي؟
فقط قل لي كيف حكمت؟
هل عليّ أن أنزل للساحات العامة وأصلي أمام الكاميرات ليمنحني الإنسان وثيقة الإسلام؟
لست أرى الإيمان مجرد وثائق أو نياشين أو اعترافات يشرفني بها رجال دين هلكوا وهم يتصيدون الفرص للإيقاع بالفكر والحرية لتبقى مراكزهم ثابتة، وفي الحقيقة أكتب هذه الرسالة لأدعوك للتوقف عن العبث بدواخل البشر، في الحقيقة لست مهتمة إن كنت تراني مؤمنة بما تؤمن به أو تراني كافرة. ولست أهتم بإظهار معتقداتي الخاصة أمام الناس. لأنك حين تتعمد إظهارها فهذا يعني أنك تؤله الناس، وأن ما يهمك في المعتقد الذي تسعى ليل نهار لتأدية فرائضه وشعائره هو رضا المجتمع عليك، يمكنك أن تنال رضا المجتمع بمنحه سكوتك عن الترهات التي تحرمه بها من السكينة وراحة البال. وتزعجه بصلواته وأفكاره، وتختزل بضوضاء صراخك وجرم تكفيراتك كل الحضارة التي يسعى البشر لإقامتها هنا. في وطنك الإسلام ليس وثائق أو نياشين.
دخلت في جدال كثير من المرات مع عدد لا يستهان به من الناس، وأقصد بالناس هنا العامة وليس الخاصة من المتعمقين. أجتمع في هؤلاء العامة أنهم متزمتون دينياً وينظرون لي بأني أخرب الدين. هم يقرأون كتب الدين لكنهم ليسوا من فئة الفقهاء. يمكنكم القول انهم من فئة التابعين، هم العامة الذين استيقظوا من طفولتهم ليجدوا كل شيء جاهز أمامهم فحفظوه غيبا ليحصدوا درجات ترقيتهم في سلم العلم، جاهزون للحفظ. أما تنقية ما يقرأوه فممنوعون منه بحكم شرعي. كلمة الوعي سُلبت منهم سلباً مثيراً، كل شيء جاهز أمامهم، التفسير والاجتهاد والحديث، لا داعي لأي جهد للتمعن بآية، ما اكتشفته كان أعظم، إذ لم يعد هناك من داع لقراءة الآية قدر أهمية قراءة كتب التفاسير التي تحولت لكتب نزلت بوحي ذي قداسة.
هذه أحاديث دارت بمجالس متفرقة وفي بلدان عربية عدة.
قالت لي: كفر أن ترفضي الحجاب، من ضمن ما رددت عليها: نص الكلمة التي توجب على المرأة تغطية رأسها غير موجودة قالت: بلى مذكورة، سألتها: بالنص؟ - نعم - وأين هي الآية قالت: موجودة إذ يقول ابن وابن وأبي وبقية القائلين ان الحجاب مذكور في آية الجلابيب، لا أريد مقولاتهم. أريد نص كلمة الحجاب، غطاء الشعر. أريد أن أقرأها.
وفي مجلس آخر عن آية التعدد، طبعا بعد أن أصبح اسمي مرتبطا بالأزواج الأربعة، سألوني عن مغزى رفض التعدد فقلت: ليس هناك نص حرفي في القرآن يدعو للتعدد
بلى موجود. قلت أين هو؟
سردوا آية مثنى وثلاث... إلخ، قلت - لكن الكلمة غير موجودة قالوا: ابن فلان يقول... قاطعتهم: لا أريد ابن فلان أريد أن أرى التفسير هنا في هذه الصفحة القرآنية، هل كلمة جمع وتعدد مذكورة؟
وفي مجلس آخر، كانت الغرابة، لأن الجدل كما أخبرتكم دار بيني وبين أناس (متزمتين دينياً) ويدافعون عن الشريعة من حمم أفكاري، كنا نحكي عن الطموح وعدم قناعة الناس بما يملكونه، فجئت على الآية الكريمة؛ وهي من الآيات المفضلة عندي وأؤمن أن غالبيتكم تعرفونها لأنها مشهورة جدا؛ حين وسوس الشيطان لآدم رغم دعوة الله له بأن يكتفي بالقدر الذي منحه إياه، «إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى» (طه 118-119).
وأفاجأ بأحد الجالسين: والله صرت شاعرة.
قلت لا هذا من القرآن. قال: خلاص يا نادين، زودتيها، حرام أن تنسبي للقرآن كلمات ولو بالمزح.
رددت: لكني لا أمزح هذه الآية فعلاً من القرآن.
قال: مستحيل.
قلت: لماذا مستحيل؟
طريقة قراءتك وكأنك تقولين شعرا.
أجبته: لا أذكر كيف قلتها، لكن هل يجبرنا الله على سرد القرآن بطريقة ابن علان أيضا؟
الغريب أن هذه الآية بالذات تراهنت على وجودها في القرآن مع أكثر من عشرة أفراد مختلفي الجنسيات ومن بلدان عربية مختلفة وكان الرد واحداً: انها غير موجودة أو انها موجودة لكن ليس بهذا النص الحرفي الجميل.
وفي مجلس آخر، لا أعرف كيف بدأ حديثنا لكني استشهدت بما تقوله الآية: «فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد» (الحج 45).
وثارت ثائرة محدثي: لا تنسبي للقرآن أمراً ليس فيه، كلنا نعرف الآية (فهي خاوية على عروشها) أما قولك (بئر معطلة وقصر مشيد) هذه ليست من أقواله سبحانه! فتحت له الآية وبهت.
لماذا فوجئ؟ لأنه اعتاد أن يقرأ القرآن لينهيه في رمضان ويفرح بختمه دون التمعن فيه أو محاولة مطابقته لروح العصر، لا يقرأه بحب، يختمه لإسعاد روح فلان الميتة، أو اقتداء بالشيخ الذي يظهر على الفضائيات، ويجبره على سكب الدموع كدليل خشوع وتذكرة دخول للجنة.
وصرت أفكر بالآيات المفضلة عندي وأحاول نشرها بين بعض العامة ممن لا يركزون عليها كثيرا، وأتعمد السؤال عنها أحيانا للاستفزاز فقط، أستفز أناسا يرونني كافرة
وفي مجلس قلت: فؤادي كفؤاد أم موسى... تعرفون من القائل: «وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً» (القصص 10).
لا... من هو؟
قلت: الله
قال: لا أذكر أني قرأتها
ولن تقرأها لأنك تختم القرآن دون أن تقرأ الجمال الذي فيه.
ما يقرأه الناس من التفاسير أنساهم أمرا مهما جدا، أنساهم القرآن، صارت علاقتهم به من خلال وسطاء، حتى أنهم يرفضون مطابقة القرآن للعصر إلا عند الرد على مسائل الإعجاز بطريقة هشة ركيكة مضحكة.
وأنا أريده عصرياً... اتركوني أقرأ آياته كيفما أردت.
وابعثوا لي بآيات لا يتداولها الناس كثيرا... آيات منسية وعصرية.
كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com
هذه الجملة كانت ضمن مقدمة رسالة بعثها لي أحد القراء (طبعا يا أستاذة لأنك لا تؤمني بالقرآن ولا بالنبي....) لحظة. لحظة قبل أن أكمل رسالتك السطحية. كيف حكمت أني لا أؤمن بالقرآن ولا بالنبي؟
فقط قل لي كيف حكمت؟
هل عليّ أن أنزل للساحات العامة وأصلي أمام الكاميرات ليمنحني الإنسان وثيقة الإسلام؟
لست أرى الإيمان مجرد وثائق أو نياشين أو اعترافات يشرفني بها رجال دين هلكوا وهم يتصيدون الفرص للإيقاع بالفكر والحرية لتبقى مراكزهم ثابتة، وفي الحقيقة أكتب هذه الرسالة لأدعوك للتوقف عن العبث بدواخل البشر، في الحقيقة لست مهتمة إن كنت تراني مؤمنة بما تؤمن به أو تراني كافرة. ولست أهتم بإظهار معتقداتي الخاصة أمام الناس. لأنك حين تتعمد إظهارها فهذا يعني أنك تؤله الناس، وأن ما يهمك في المعتقد الذي تسعى ليل نهار لتأدية فرائضه وشعائره هو رضا المجتمع عليك، يمكنك أن تنال رضا المجتمع بمنحه سكوتك عن الترهات التي تحرمه بها من السكينة وراحة البال. وتزعجه بصلواته وأفكاره، وتختزل بضوضاء صراخك وجرم تكفيراتك كل الحضارة التي يسعى البشر لإقامتها هنا. في وطنك الإسلام ليس وثائق أو نياشين.
دخلت في جدال كثير من المرات مع عدد لا يستهان به من الناس، وأقصد بالناس هنا العامة وليس الخاصة من المتعمقين. أجتمع في هؤلاء العامة أنهم متزمتون دينياً وينظرون لي بأني أخرب الدين. هم يقرأون كتب الدين لكنهم ليسوا من فئة الفقهاء. يمكنكم القول انهم من فئة التابعين، هم العامة الذين استيقظوا من طفولتهم ليجدوا كل شيء جاهز أمامهم فحفظوه غيبا ليحصدوا درجات ترقيتهم في سلم العلم، جاهزون للحفظ. أما تنقية ما يقرأوه فممنوعون منه بحكم شرعي. كلمة الوعي سُلبت منهم سلباً مثيراً، كل شيء جاهز أمامهم، التفسير والاجتهاد والحديث، لا داعي لأي جهد للتمعن بآية، ما اكتشفته كان أعظم، إذ لم يعد هناك من داع لقراءة الآية قدر أهمية قراءة كتب التفاسير التي تحولت لكتب نزلت بوحي ذي قداسة.
هذه أحاديث دارت بمجالس متفرقة وفي بلدان عربية عدة.
قالت لي: كفر أن ترفضي الحجاب، من ضمن ما رددت عليها: نص الكلمة التي توجب على المرأة تغطية رأسها غير موجودة قالت: بلى مذكورة، سألتها: بالنص؟ - نعم - وأين هي الآية قالت: موجودة إذ يقول ابن وابن وأبي وبقية القائلين ان الحجاب مذكور في آية الجلابيب، لا أريد مقولاتهم. أريد نص كلمة الحجاب، غطاء الشعر. أريد أن أقرأها.
وفي مجلس آخر عن آية التعدد، طبعا بعد أن أصبح اسمي مرتبطا بالأزواج الأربعة، سألوني عن مغزى رفض التعدد فقلت: ليس هناك نص حرفي في القرآن يدعو للتعدد
بلى موجود. قلت أين هو؟
سردوا آية مثنى وثلاث... إلخ، قلت - لكن الكلمة غير موجودة قالوا: ابن فلان يقول... قاطعتهم: لا أريد ابن فلان أريد أن أرى التفسير هنا في هذه الصفحة القرآنية، هل كلمة جمع وتعدد مذكورة؟
وفي مجلس آخر، كانت الغرابة، لأن الجدل كما أخبرتكم دار بيني وبين أناس (متزمتين دينياً) ويدافعون عن الشريعة من حمم أفكاري، كنا نحكي عن الطموح وعدم قناعة الناس بما يملكونه، فجئت على الآية الكريمة؛ وهي من الآيات المفضلة عندي وأؤمن أن غالبيتكم تعرفونها لأنها مشهورة جدا؛ حين وسوس الشيطان لآدم رغم دعوة الله له بأن يكتفي بالقدر الذي منحه إياه، «إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى» (طه 118-119).
وأفاجأ بأحد الجالسين: والله صرت شاعرة.
قلت لا هذا من القرآن. قال: خلاص يا نادين، زودتيها، حرام أن تنسبي للقرآن كلمات ولو بالمزح.
رددت: لكني لا أمزح هذه الآية فعلاً من القرآن.
قال: مستحيل.
قلت: لماذا مستحيل؟
طريقة قراءتك وكأنك تقولين شعرا.
أجبته: لا أذكر كيف قلتها، لكن هل يجبرنا الله على سرد القرآن بطريقة ابن علان أيضا؟
الغريب أن هذه الآية بالذات تراهنت على وجودها في القرآن مع أكثر من عشرة أفراد مختلفي الجنسيات ومن بلدان عربية مختلفة وكان الرد واحداً: انها غير موجودة أو انها موجودة لكن ليس بهذا النص الحرفي الجميل.
وفي مجلس آخر، لا أعرف كيف بدأ حديثنا لكني استشهدت بما تقوله الآية: «فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد» (الحج 45).
وثارت ثائرة محدثي: لا تنسبي للقرآن أمراً ليس فيه، كلنا نعرف الآية (فهي خاوية على عروشها) أما قولك (بئر معطلة وقصر مشيد) هذه ليست من أقواله سبحانه! فتحت له الآية وبهت.
لماذا فوجئ؟ لأنه اعتاد أن يقرأ القرآن لينهيه في رمضان ويفرح بختمه دون التمعن فيه أو محاولة مطابقته لروح العصر، لا يقرأه بحب، يختمه لإسعاد روح فلان الميتة، أو اقتداء بالشيخ الذي يظهر على الفضائيات، ويجبره على سكب الدموع كدليل خشوع وتذكرة دخول للجنة.
وصرت أفكر بالآيات المفضلة عندي وأحاول نشرها بين بعض العامة ممن لا يركزون عليها كثيرا، وأتعمد السؤال عنها أحيانا للاستفزاز فقط، أستفز أناسا يرونني كافرة
وفي مجلس قلت: فؤادي كفؤاد أم موسى... تعرفون من القائل: «وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً» (القصص 10).
لا... من هو؟
قلت: الله
قال: لا أذكر أني قرأتها
ولن تقرأها لأنك تختم القرآن دون أن تقرأ الجمال الذي فيه.
ما يقرأه الناس من التفاسير أنساهم أمرا مهما جدا، أنساهم القرآن، صارت علاقتهم به من خلال وسطاء، حتى أنهم يرفضون مطابقة القرآن للعصر إلا عند الرد على مسائل الإعجاز بطريقة هشة ركيكة مضحكة.
وأنا أريده عصرياً... اتركوني أقرأ آياته كيفما أردت.
وابعثوا لي بآيات لا يتداولها الناس كثيرا... آيات منسية وعصرية.
كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com