بات واضحاً الآن أن مشروع دولة العراق الإسلامية، المستحيلة والوهمية، الذي لفقته منظمة «القاعدة» الإرهابية لم يعد له وجود، وبدأ يضمحل ويتوارى بسرعة خارقة بفعل الضربات الماحقة الساحقة للقوات الأمنية وقوات الصحوة، فقد تم اعتقال غالبية وزراء تلك الدولة المزعومة وأمرائها ومشايخها والاستيلاء على مخازن أسلحتها وأقبيتها السرية، وقطع خطوط إمدادها وقنوات اتصالها وتمويلها، وكانت الدولة في بدايتها قد قامت على الاستعراضات المسلحة الدعائية، في الأوقات التي توجد فيها قوى الأمن أو في شوارع الأزقة الخلفية، وإن كانت لا تتجاوز دقائق معدودات إلا أنها تضخمها وتبثها عبر إعلامها، والآن حتى هذه الاستعراضات، التي تنفذها بطريقة التسلل واللصوصية، لم تعد تستطع ممارستها، ولم تستطع إنقاذ وزير واحد من وزرائها المعتقلين أو حتى كادر واحد من كوادرها وفقهائها، ولم تعد تصدر الفتاوى وحصل ذلك كله ليس بسبب الردع العسكري فقط، إنما بسبب عزلها ونبذها من بعض المواطنين البسطاء الذين خدعوا بها، فأصبح مؤيدوها من أكثر المنتقدين والمقاتلين لها. وكان آخر وزير اعتقل منها وزير الكهرباء الذي اعترف بأن مهمة وزارته تفجير محطات توليد الكهرباء وتدمير شبكات الضغط العالي واغتيال خبراء ومهندسي وزارة الكهرباء من أجل إقامة دولة إسلامية تستغني عن الكهرباء التي لم تكن موجودة في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). طبعاً لن تكف «القاعدة» عن تلفيق مشاريع أخرى، وهي حتما ستدرس المصير الأسود الذي آلت إليه دولتها وربما ستفاجئ المواطنين البسطاء بمشاريع أخرى لكنها ستفشل حتماً.حقيقة «القاعدة» أصبحت ليست خافية على أحد وحتى للناس البسطاء الذين لم يتوافر لهم قسط وافر من التعليم والذين يعانون البؤس والبطالة، فقد أصبحوا على قناعة تامة بأن «القاعدة» بأفعالها الدموية البشعة لن تجلب لهم الرفاه والحرية وتحل مشاكلهم، إنما هي تستخدمهم وقوداً وأدوات رخيصة في حملاتها الإرهابية المسعورة لنشر الجهالة والتجهيل والتطرف والتعصب الأعمى والتطهير الطائفي والتهجير القسري والتخلف والعيش خارج التاريخ والزمن، زمن التحرر والتقدم والمنجزات العلمية الهائلة. والحل لهذا هو العودة إلى جوهر الدين الحنيف، دين السلام والمحبة والتسامح والتحرر من الإكراه والكراهية والبغضاء بعد أن شوهته «القاعدة» وأساءت إلى قيمه السامية، مثل الأديان السماوية كافة التي تدعو إلى العلم والعمل والحرية والعدالة والمساواة والتحرر من الخوف والفقر.والسؤال: بعد تلك الهزائم المريرة هل تكف «القاعدة» عن نهجها التدميري؟ لا أعتقد أن ذلك سيحدث على المدى المنظور، لكنها ستنتهي وتزول حتما لأنها ضد طبيعة الأشياء وقوانين التطور العامة في الطبيعة والمجتمع.

حميد المالكي

كاتب عراقيhamedamalky@yahoo.com