رغم تجربتنا الطويلة في الكويت مع العمل البرلماني والديموقراطية، مازالت هناك حساسية من الاستجوابات، والتي تحولت من أداة رقابة شعبية على السلطة التنفيذية إلى أداة للمقايضات السياسية الرخيصة، وذلك لمن لديه وعي سياسي بدور نائب الأمة في تمثيله شعبياً.
لقد تم حل مجلس 1985، وعُلِّق الدستور حتى عام 1992 بسبب استجواب وزير من الأسرة الحاكمة لا ينتمي لذرية مبارك، وتطور الأمر حتى وصلنا لمرحلة يتم فيها حل الحكومة والبرلمان وإعادة الانتخابات بسبب استجواب وزراء شيوخ ليسوا من ذرية مبارك، وما زال تطور العمل البرلماني مستمراً حتى وصلنا إلى وقوف شيوخ من ذرية مبارك ومن غيرهم على منصة الاستجواب، دون الحاجة إلى حل البرلمان.
تطورت التجربة أكثر، فجاء الدور على تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء، فكان النقاش وقتها هل يصعد منصة الاستجواب أم لا؟ حتى تم حل البرلمان، وتكررت التجربة مرة أخرى، ليصعد هذه المرة مع نائبه، ولكنها كانت تحت جُنْحِ جلسة سرية، حصل معها على ثقة المجلس بعد طرح كتاب عدم التعاون.
تزايدت وتيرة الاستجوابات المقدمة لرئيس مجلس الوزراء وغيره من الوزراء الشيوخ من ذرية مبارك ومن غيرهم، وأصبحت المسألة مقبولة سياسياً وشعبياً، رغم أن الدستور نص عليها بوضوح منذ عام 1962، ليرتفع عدد رافضي التعاون معه إلى الضعف تقريباً في المرة الثانية.
المشكلة تكمن أن الاستجوابات أصبحت أداة لتعطيل الأداء البرلماني، ويتحمل ذلك طرفا النزاع السياسي النواب والحكومة، إضافة إلى أطراف أخرى نافذة، سواء من الفاعلين اقتصادياً، أو من اللاعبين الأساسيين في دهاليز السلطة، حتى وصلنا إلى مرحلة أن يهدد نائب حكومي المزاج والهوى بالاستجواب إن لم يتم تنفيذ مطالبه!
ورغم ذلك فالاستجواب حق دستوري، نص عليه المشرع في أكثر من مادة من مواده، ولا يجوز لنا أن نصادر حق أي نائب في ذلك، حتى لو أساء استعماله لأغراض شخصية وصفقات سياسية، بل علينا أن ندرس مواطن الخلل في الممارسة لتقويمها دستورياً من الناحية النظرية والممارسة العملية.
وعلى نواب الأمة واجب مراجعة بنود الدستور الخاصة في تصويت الوزراء في مداولات مجلس الأمة، وفي طريقة تشكيل الحكومات التي أظنها دخلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأصغر الحكومات عمراً في العالم، وكذلك إعادة النظر في نظام الدوائر الانتخابية المعمول به حالياً لتكون الكويت دائرة انتخابية واحدة، مع إعطاء صوتين فقط كحد أعلى لكل ناخب، لنقترب أكثر من التمثيل الحقيقي للأمة بنوابها كما نص الدستور، سعياً للقضاء على كثير من العلل السياسية التي ابتُلينا بها.


د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter:@Dralsuraikh