لو كان ابن كثير حيا، يكتب كتابه المفصل «البداية والنهاية» لكتب تحت عنوان احداث سنة 2011 ميلادية ما يلي:
في يوم الجمعة 6 مايو من سنة 2011، في مثل هذا اليوم، حصلت الكثير من الاخبار والاثار، في بلاد العرب والعجم، فقد تظاهر الناس في حمص وتشابكوا مع الامن، وكان ما كان من اراقة الدماء بعضهم يطالب بالحرية، واخرون يدعون انهم عملاء للفرنجة والديلم، وفي صنعاء هناك رجل اسمه علي بن عبد الله بن صالح يحكمهم حكم النار، ويكذب عليهم كذب مسيلمة، وقد تراكضت القبائل تحشد حشودها لترميه خارج الديار، اما في كاظمة وهي بلاد تسمى الكويت، وتقع في الشمال من الخليج، فكان هناك شجار عنيف، ونقاش عظيم، حتى بان غبار معاركهم على بعد الف فرسخ وفرسخ!
ففي يوم الجمعة سمعت جموع الكويت، عبر اجهزتها المختلفة ان الوكيل المساعد لشؤون الاخبار في وزارة اعلامهم، والتي تقف على مدخلها المدرعات-مع انه لا وجود لها حتى امام وزارة الدفاع-اصدر فرمانا همايونيا، لنفرات عدة من المذيعين بمنع لبس الشماغ الاحمر، والاكتفاء بلبس الغترة البيضاء في نشرات الاخبار، وهو فرمان ملزم لزوما، فلا غير الغترة البيضاء الناصعة البياض المغسولة «بتايد المطور» ولابأس باريال او برسيل، ومن يفعل غير ذلك فقد يسوؤه ما يحدث!
عندها تداعى الناس من كل حدب وصوب، وتطايرت العقل، واشرأبت الاعناق تراقب ما يحدث، وهاجت البحار بلا غبار، واصبح الشماغ شغلهم الشاغل، يتناقش فيه المجنون والعاقل، وتساءلوا هل نلبس الشماغ الاحمر ام الغترة البيضاء؟ وهل من يلبس الشماغ الاحمر يعاني من انيميا الروح الوطنية؟ فدافع من دافع وهاجم من هاجم، وكالعادة في مثل هذ الامور، تطايرت الاتهامات الطائفية والقومية والعنصرية، في سجال لا يجاريهم الشيطان الازرق ولا الجن الارجواني!
وتطور الامر وعظم، فقد تبين ان هناك اختلافات كثيرة ومن محاور عدة، فمنهم من اعترض على لبس السروال وطالب بالوزار تحت الدشداشة، وظهر حزبان، حزب يؤيد لبس «القحفية المشغلة» وهو يشبه المشخال، وحزب يؤيد القحفية السادة التي تشبه طاسة النخي، وفريق يؤيد غولة بزر واحد «اي دقمة وحدة» وفريق بثلاثة ازرار وما فوق وكأنه يبني ناطحة سحاب على رقبته، وتجمع يؤيد العقال الضعيف الذي يشبه اطار «قاري راعي البقالة» واخر يؤيد العقال العريض اللماع الذي يشبه اطارات ميشلن، وتجمع يؤيد البزمة وتجمع دون بزمة، وتيار يؤيد الازرة المخفية للدشداشة واخر مشجع للازرة المكشوفة، وظهر تيار تقليدي ينادي بالدشاديش الشد، واخر بالدشاديش المخصرة...وهاج الناس وماجت ووزعت الاتهامات بالتساوي وتدخل النواب الفاضيين كعادتهم في الموضوع، وهددوا بالويل والثبور وعظائم الامور!
حصل كل هذا، مع ان الخبر غير مؤكد وتم نفيه، ورغم ان غالبية الشباب في هذه البلاد كل منهم يضع الف اوقية من «الجل» على راسه، وكأنه «راج كابور» بزمانه، ويلبس الشورت ليظهر مفاتن ركبته، و«تي شيرت» بولو!
عندها قرر التوقف عن كتابة التاريخ فورا...! فتح درج مكتبه واخرج المسدس «طاخ...» (صوت اطلاق نار) وكان هذا اخر ما كتبه!


جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com