أتمنى ان أسافر إلى مكان بعيد عن أعين العالم لمدة عام أو عامين، واقوم خلالها بقطع جميع وسائل الاتصال بالعالم الخارجي بحيث لا أتابع ما يجري، ثم انظر بعد عودتي كيف سيتغير العالم العربي.
نحن نتابع اليوم الاحداث بصورة مستمرة وكأننا نستبق الزمن في معرفة النتائج، ومع ان التغير الحاصل يحدث بصورة درامية وسريعة ومثيرة الا ان الصورة النهائية مازالت غير واضحة وهي اكثر اثارة من افلام الدراما التي لا نعرف نهايتها.
لقد استغرقت ثورة تونس 28 يوما للوصول إلى النتائج، وثورة مصر 18 يوما بينما ليبيا واليمن مازالتا تراوحان مكانهما، وسورية مازالت في بدايتها، ولعل السنتين اللتين سأغادر فيهما - بحسب امنيتي - تحسمان كثيرا من الامور وتريانا الصورة المشرقة لعالمنا الجديد الذي طالما انتظرناه.
أعلم بان الواقع ليس بتلك الصورة المثالية التي نحلم بها ونتحدث عنها، ولكن يجب الا ننسى بأننا قد وصلنا إلى طرق مسدودة في ما يتعلق ببعض الانظمة القائمة اليوم والتي بلغت كراهية شعوبها لها درجة تكفي لان يفضلوا الموت قتلا على ان يستمروا معها، على سبيل المثال فاننا نرى الشعب الليبي شبه الاعزل يقاتل بأسلحة بدائية ويضحي بالمئات من ابنائه كل يوم لانه يعلم ان بقاء ذلك المجرم سيقتل اضعاف اضعاف ما يفقده اليوم، وسورية تواجه شعبا اعزل لا يحمل اي سلاح بمئات القتلى والمعتقلين.
تحدث المحللون السياسيون عن حالة مشابهة لما يجري اليوم في العالم العربي وهي الثورات الاوروبية عام 1848 والتي حدثت في متوالية عددية في نفس الاوقات تقريبا، وكانت جميعها تطالب بالاستقلال، فقد طالبت هنغاريا بالاستقلال عن النمسا، وكانت المانيا تسعى لتوحيد الشعوب الجرمانية، وفي فرنسا كان الهدف هو الاطاحة بالملكية ومنازعات في دول اخرى.
المهم في كل ذلك هو ان تلك الثورات قد نجحت جزئيا واقامت دساتير جديدة، ثم انهارت تلك الجمهوريات ورجعت الملكيات من جديد، وقد وصفها المؤرخ أ. تايلور «بانها لحظة بلغ فيها التاريخ نقطة انعطاف لكنه فشل في الانعطاف».
ومع ان معظم ثورات 1848 الاوروبية بدت كارثية الا انه بعد مضي نصف قرن من الزمان اصبح ينظر لها على انها بداية للتغيير الناجح، ومع هذا فلا يعني كلامنا بان الثورات القائمة اليوم في العالم العربي هي ثورات ناجحة بالضرورة ولا ان الحكام الجدد سيكونون افضل من السابقين الا إذا تدخلت الشعوب منذ البداية لمنع انحراف ثوراتهم ومنع تسلم المنحرفين لزمام الامور.
كذلك فإن هنالك طرقا قد تكون افضل بكثير للتغيير في الدول التي لم تجرب الثورات بعد وهي الطرق السلمية والتركيز على اصلاح البنية التحتية والتدرج في التغيير، واهم من كل ذلك هو عدم استبعاد الشريعة الاسلامية عن وسائل الاصلاح لان الشعوب المسلمة لا يمكن لها ان ترضى بتنظيم حياتها بعيدا عن الاسلام، بل ان اغلب الفشل الذي منيت به الدول العربية كان بسبب اقصاء الدين عن حياة الشعوب.
اتمنى الا يستغرق التغيير في بلادنا نصف قرن كما حدث في اوروبا والا فإنني سأضطر إلى السفر نصف قرن لرؤية النتائج التي ستتم كتابتها على قبري!!


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com