انتقد المفكر المغاربي عبد الله العروي على المفكرين العرب أخذهم بـ «هيصة الشعارات» إهمالهم لنظرية الدولة وراح يؤكد على ان بناء الدولة الحديثة يجب ان يسبق كل أشكال البناء الاخرى، ثم يذكر العروي كثيرا من الشعارات الطوباوية التي يرفعها المفكرون العرب دون إدراك لواقعها ومنها شعار «الحرية والديموقراطية»، فهذه كلمة حق أريد بها باطل كما يرى.
وقد أوضح المفكر محمد جابر الأنصاري بأن الدول العربية قد خانت العباد وسرقت البلاد ووصلت الى مأزقها التاريخي.
وقد عرف الواقع العربي وجهتي نظر: الأولى تقول بتبرير دولة الإكراه وان الديموقراطية لا تزيد عن كونها ترف مثقفين، والأخرى تقول بالديموقراطية أولاً وأخيراً ما يعطي الديموقراطية الأولوية على حساب الدولة، وهذا ما يفسر «هيصة الديموقراطية» بحسب تعبير المفكر الفرنسي آلان منك التي لا تزال تؤثر في الواقع العربي، والتي جعلت من الديموقراطية مفتاحا سحريا لجميع الأبواب المقفلة، وهو الذي دفع الكثير من المثقفين العرب الى الوقوع في أسر الديموقراطية الأميركية التي كثر مبشروها من كل حدب وصوب مع أنها لا تزيد عن كونها فقاعة صابون كما قال تشو مسكي، ويقرر الدكتور الأنصاري حقيقة ان الديموقراطية المطلوبة غير ممكنة في ظل غياب الدولة، ثم يضرب مثلا بما فعله الأميركان من تقويض الدولة في العراق من أجل بناء فقاعة الصابون من جديد وقد شاهدنا نتائج تلك الخطة الأميركية انها آذنت ببدء نظام الفوضى والموت المجاني تحت مسمى تصدير الديموقراطية الأميركية.
والأمر يكاد ينطبق على أفغانستان وتحولها الى نظام للفوضى، وقبلها تشجيع (الأميركان) لانتخابات فلسطينية في الضفة والقطاع بتشجيع من (الأميركان)، وانتخابات الجزائر التي تحولت الى حرب أهلية.
يقول الكاتب تركي علي الربيعو في مقاله (الديموقراطية وأوهام المثقف العربي) ان الحالة العراقية التي انتهت بتدمير الدولة على يد قوى الاحتلال تصلح لأن تكون انموذجا يهتدي به الرافعون لشعار «الديموقراطية أولاً».
بعد ان جلست أفكر ملياً في ما يجري عندنا في الكويت من أزمات متتالية وفوضى خلّاقة لم نستطع الخروج منها بالرغم من الأصوات العاقلة الكثيرة والرغبة الحقيقية للكثيرين في تجاوزها، وجدت بأن إشكاليتنا قد لا تكون فقط بسبب عناصر التأزيم المستمرة من النواب والوزراء، وقد لا تكون بسبب ضعف الادارة الحكومية فقط ولكن جزء كبير منها قد يكون بسب «هيصة الديموقراطية» وإعطاء الديموقراطية وزنا كبيرا على حساب الدولة، فنحن نفتقد أبسط مبادئ بناء الدولة واستقرارها ونجد في واقعنا فوضى في جميع المجالات وزجا بالمزاجية والطائفية والقبلية والعنصرية والفوضوية في كل شيء، ثم نغطي كل ذلك بثوب رقيق من الشعارات الديموقراطية التي استوردناها معتقدين بأنها ستحل مشاكلنا بلمحة البصر.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com