في تمام الساعة الخامسة صباحاً، توقف الباص الخاص بتوصيل عمال النظافة إلى مقار أعمالهم، ونزل منه مجموعة منهم، ذهب عبدالصمد إلى زاوية بقرب المدرسة، وهنالك أخرج ملابس العمل من كيس كان يحمله، وبدّل ملابسه على عجل، ثم توجه إلى صندوق القمامة ذي العجلات الخاص به، وأمسك به كما يمسك الوالد بولده، فهذا الصندوق هو رفيقه الدائم الذي لا يكاد يرى غيره طوال فترة عمله التي تمتد 11 ساعة يوميا، وأخذ مكنسته ثم بدأ عمله بنشاط في تنظيف الشارع من الأقذار التي تتراكم يوميا بطريقة مقززة.عندما أذن المؤذن لصلاة الفجر، ترك ما بيديه وتوجه الى المسجد يدعو الله تعالى ان يبارك له في أهله وماله ورزقه، ثم خرج من المسجد ليكمل عمله، وقد أعطته الشركة معطفا سميكا يتقي به برد الشتاء، كما لف على وجهه غترة حمراء يتقي بها العاصفة الترابية التي تشتد في العديد من الأيام.خرج الناس إلى أماكن عملهم بدءا من الساعة السابعة بينما كان عبدالصمد قد قضى أكثر من ساعتين في التنظيف ومازال لديه العديد من الساعات. في تمام الساعة العاشرة التجأ عبدالصمد إلى ظل تحت أحد المنازل ليخرج سرة من كيسه فيها خبز وبعض المواد الغذائية، أكلها على عجل ثم أكمل عمله الى قريب صلاة العصر.جاء الباص لينقل عبدالصمد ورفاقه إلى السكن الذي هو عبارة عن غرف ضيقة يتكدس فيها العديد من العمال وسط خدمات سيئة وأوامر صارمة ونظام شبه عسكري لضبط حركاتهم وسكناتهم، ولحسن حظهم، فإن الارهاق الذي يعانونه من العمل الشاق طوال اليوم لم يترك لهم مجالا كبيرا للتفكير في حالهم، حيث يخلدون للنوم مبكرا لكي يستيقظوا في الصباح الباكر ليكرروا الاسطوانة اليومية نفسها. كل ذلك يهون والصبر يكون فداء لكسب لقمة العيش وارسال الـ 25 دينارا التي يقبضها شهريا الى أهله المعدومين في بلده. لم يشتر عبدالصمد أي شيء لنفسه منذ قدم الكويت، ويرى الناس يتنعمون بالخيرات وهو صابر لا يبحث الا في أكياس القمامة عن الكنوز.ولكن هل تحقق طموح عبدالصمد الذي هاجر من بلده لأجله؟! بالطبع لا لم يتحقق، فقد قرر مع بعض رفاقه في العنبر أن يضربوا عن العمل عندما رفض مسؤول الشركة صرف رواتبهم لستة أشهر عملوا فيها بجد واجتهاد، وبالرغم من شكاواهم المستمرة إلا أن الشركة أخذت تماطل وتتحجج بأعذار واهية، بينما أهله يرسلون الرسالة تلو الأخرى يلحون عليه ارسال الاموال لهم قبل ان تهلك أسرته من الفقر.في النهاية تبين بأن عبدالصمد ورفاقه المضربين قد أتوا بجريمة بسبب مشاغبتهم وعدم اطاعتهم للنظام، فكان مصيره التسفير إلى بلاده جزاء له على أفعاله الشنيعة، وبذلك تبخر حلم عبدالصمد في تكوين الثروة العظيمة التي صبر من أجل تحقيقها عن طريق راتب الـ 25 دينارا شهريا!!نداء نوجهه الى مؤسسات حقوق الإنسان التي تزداد كل يوم في الكويت لا من أجل عبدالصمد - الذي هو شخصية خيالية - ولكن من أجل آلاف العمال الذين جاؤوا إلى بلادنا من أجل حياة كريمة فإذا هم فريسة لوحوش بشرية أشد فتكا من كبار الضواري.
د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com