| لندن من إلياس نصرالله |
/>أنعش التعاون الذي أبداه الثوار الليبيون مع السلطات البريطانية بشأن لغز مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر برصاص أطلق من داخل السفارة الليبية عام 1984 الأمل في أن يؤدي هذا التعاون إلى حل ألغاز أخرى تتعلق بجرائم عديدة ارتكبها نظام حكم الرئيس الليبي معمر القذافي، بما في ذلك لغز اختفاء إمام الطائفة الشيعية في لبنان موسى الصدر عام 1978 في ليبيا.
/>وتناقلت وسائل الإعلام البريطانية خلال اليومين الماضيين بتوسع تقارير ومقابلات مصورة مع أحد أنصار القذافي السابقين عمر أحمد السوداني، الذي ألقى الثوار الليبيون القبض عليه في بنغازي والمحتجز لديهم، حيث قدّم للبريطانيين معلومات جديدة عن مقتل الشرطية فليتشر، وحدد أسماء ثلاثة أشخاص قال ان واحداً منهم هو الذي أطلق الرصاص من داخل السفارة، فأردى الشرطية قتيلة.
/>والسوداني هو أحد المتهمين بقتل فليتشر، لكنه كان يحمل جواز سفر ديبلوماسياً، فخرج من بريطانيا عام 1984 تحت غطاء الحصانة الديبلوماسية هو وبقية أعضاء السلك الديبلوماسي الليبي الذين غادروا المملكة المتحدة بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على اثر الحادث. وسمح الثوار الليبيون لممثلين عن الحكومة البريطانية بمقابلة السوداني واستجوابه والتقاط بعض الصور له، كما سمحوا لممثلي وسائل الإعلام البريطانية الموجودة في بنغازي بمقابلته وتصويره.
/>ولاقت خطوة الثوار الليبيين استحساناً من جانب الرأي العام البريطاني، بل أعطت انطباعاً بأن المساعدة التي تقدمها الحكومة البريطانية للثوار ومشاركتها في الحملة العسكرية على ليبيا هي شيء إيجابي ويستحق المباركة.
/>وذهب المحللون للإعراب عن تفاؤلهم بالكشف عن ألغاز جرائم القذافي الأخرى، وبالذات الكشف عن الحقيقة الكاملة لجريمة تفجير طائرة لوكربي الأميركية وعلاقة القذافي الشخصية بها. وتوقع المحللون أن يتم عاجلاً أم آجلاً الكشف عن سر اختفاء الإمام الصدر أثناء زيارته ليبيا عام 1978. فمثلما وقع عمر السوداني في الأسر وبدأ الحديث عن مقتل الشرطية فليتشر، من المحتمل أن يقع ليبيون آخرون ممن كان لهم ضلوع في اختفاء الصدر بأسر الثوار وإلقائهم الضوء على حقيقة ما جرى للزعيم الشيعي اللبناني.
/>فقبل أيام قليلة فقط كان السوداني يقود «اللجان الشعبية» التابعة للقذافي في بنغازي وشارك في بداية الثورة في التصدي للجماهير التي خرجت إلى الشوارع. لكن بعد أن انهزم أتباع القذافي عثر الثوار على السوداني مختبئاً في إحدى المزارع، فألقوا القبض عليه قبل عشرة أيام. فبالإضافة إلى دوره كقائد للجان الشعبية في بنغازي، يتهم الثوار السوداني بأنه كان عمل في جهاز الاستخبارات الليبي وكان خلال الفترة التي قضاها في لندن يزوِّد الأمن الليبي بأسماء الطلاب الجامعيين الليبيين المعارضين للقذافي الذين تم اعتقالهم لدى عودتهم إلى ليبيا، كما أنه متهم بارتكاب جرائم وخروقات ضد حقوق الإنسان.
/>وقال السوداني (59 عاماً) أمام عدسات المصورين البريطانيين «إنني في وضع حرج. لست أدري ما إذا كنت سجيناً أم لا. لكنني كنت رئيس اللجان الثورية». وأوضح قائلاً ان الثوار «استجوبوني حول إطلاق الرصاص في السنوات الماضية (يقصد مقتل الشرطية). فشرحت لهم أنني لم أفعل ذلك». وأضاف «إني دائماً أتذكر الشرطية وعائلتها، لكن لست قادراً على عمل أي شيء. ما كان إطلاق الرصاص ليحدث، كان خطأ، لكن لا علاقة لي به. كان من الصعب الحديث عن الموضوع لسنين طويلة، لكنني أستطيع أن أقول انني لم أقتلها».
/>وذكر السوداني أنه لحظة إطلاق الرصاص على فليتشر كان محتجزاً لدى الشرطة البريطانية، بعد أن اصطدم مع شرطي أثناء محاولته الوصول إلى السفارة التي كانت محاطة بالشرطة وقد تجمهر أمامها مجموعة من المتظاهرين الليبيين. وقال «عندما أفرجت الشرطة عني كان حادث مقتل الشرطية قد وقع. ولاحقاً مكثت في لندن لمدة أسبوعين إلى أن تم طردي من بريطانيا، ومنذ ذلك الحين وتهمة قتل الشرطية تلاحقني».
/>وقال السوداني انه مستعد للمثول أمام العدالة، رغم أن الشرطة البريطانية لم تقدمه للمحاكمة بعد استجوابها له حول الحادث، وأضاف «أنا مستعد للمثول أمام قاض هنا في ليبيا أو في أنكلترا لأقول انني لم أقتل الشرطية». وكانت الشرطة البريطانية عثرت على بصمات أصابع السوداني في الغرفة التابعة للسفارة التي تم إطلاق الرصاص منها.
/>ويصّر الثوار الليبيون على أن السوداني كان داخل السفارة وقت إطلاق النار ومقتل فليتشر. وأكد أحد الثوار أنه كان ضمن المتظاهرين أمام السفارة وقت وقوع الحادث وأنه شاهد بعينيه السوداني. وأضاف الثائر الليبي أن السوداني «فعل أشياء شريرة كثيرة منذ عودته إلى ليبيا. وستتم محاسبته عليها أيضاً».
/>وأصرّ الصحافيون البريطانيون على معرفة من قتل الشرطية، إذا لم يكن السوداني هو الذي ارتكب تلك الجريمة، فقال «كانت هناك ثلاثة أسماء. اثنان منهم كانا طالبين جامعيين وكلاهما كانا يحملان إسم صالح. والثالث كان ديبلوماسياً اسمه عبدالقادر. ولست أدري أي شيء عمّا حصل لهم».
/>وذكرت صحيفة «الإندبندنت» أمس، أن الشرطة البريطانية قبل طردها الديبلوماسيين الليبيين، عقب مقتل فليتشر، استجوبتهم حول الحادث ومن ضمنهم عبدالقادر التهامي الذي ادعى أثناء التحقيق أنه نفذ عمليات اغتيال سياسية لحساب القذافي. ولم يُذكر أي شيء عن ضحايا تلك التصفيات السياسية وما إذا كان التهامي شارك في تصفية الإمام الصدر أو ما إذا كان لديه علم بتفاصيل قصة اختفائه في طرابلس. وضمت مجموعة الديبلوماسيين الليبيين الذين تم استجوابهم في حينه أيضاً كلا من: مصطفى المغربي، ضابط استخبارات عسكرية، وعلي جليد، متحدث صحافي، والملحقين السياسيين في السفارة معتوق معتوق وعبدالقادر البغدادي.
/>وكانت الحكومة الليبية وافقت بعد مفاوضات مضنية مع الحكومة البريطانية على دفع تعويض مالي لعائلة الشرطية فليتشر، تماماً مثلما دفعت التعويض لعائلات ضحايا طائرة لوكربي، الأمر الذي مهد لعودة العلاقات الديبلوماسية بين ليبيا وكل من بريطانيا والولايات المتحدة.
/>وبعد عودته إلى ليبيا سعى السوداني لإكمال دراسته في بلجيكا وألمانيا حيث حاز شهادة في الطب الإستوائي والوقاية فأسند له منصب رئيس قسم في جامعة بنغازي. ويقول الثوار الليبيون ان السوداني كان موالياً كلياً للنظام وكان يتعمد «إسقاط» الطلبة في امتحاناتهم لا لشيء سوى أنهم لم يحضروا المحاضرات عن الكتاب الأخضر الذي ألفه القذافي.
/>وعندما قاده حراس الثورة عقب انتهاء اللقاء مع ممثلي وسائل الإعلام البريطانية أول من أمس، قال السوداني وقد ظهر الخوف جلياً في نبرات صوته «لدي ثقة كبيرة بنزاهة الثورة وقضاة الثورة. هذا البلد سيصبح مكاناً أفضل بكثير في المستقبل مما كان عليه في الماضي».
/>