يبدو بأن مسلسل الانتفاضات والثورات العربية قد اتجه الى العنف المبالغ به بعدما شعرت الأنظمة المستهدفة بأنها مهددة بالسقوط، فقد قامت باستخدام الرصاص الحي والقنص والتعذيب بعد الاعتقال، وبدأت الضحايا تسقط بالعشرات يوميا والكل يراهن على انه قادر على تدمير الخصم بحيث لا تبقى لديه اي مقاومة.
لقد انقذ قرار الأمم المتحدة الليبيين من استئصال محتم كان بانتظارهم حيث واجهوا شيطانا بصورة انسان كان مستعدا لفعل اي شيء من اجل تدميرهم، ورأينا الطائرات التي تفتخر بها الشعوب للدفاع عنها ضد العدوان الخارجي تفتك بالشعب الاعزل وتمزقه اربا.
اما الرئيس اليمني فقد نفد صبره واراد ان يضع حدا للانتفاضة ضده ولكن على طريقة المجزرة، وهكذا بقية التظاهرات تتم مواجهتها بالافراط بالعنف والذي هو مرفوض مهما كانت الاسباب والمبررات.
المهم هو ان انتفاضة الشعوب العربية في بلدان عدة تمثل شعبا ينتفض على حكامه ويطالب برحيلهم اما بسبب الجوع واما الظلم والقهر وتقييد الحريات، لكن الاستثناء من كل ذلك وجدناه في انتفاضة الشعب البحريني ضد قيادته، فهي وان كنا نقر بكثير من المطالب الاصلاحية للمعارضة وحاجة البلد للإصلاح، لكن ما يخيفنا هو ركوب موجة الطائفية بقوة في الموضوع وتحول المطالبات من المزيد من العدل والمساواة الى شعارات تطالب بدولة ملكية دستورية ثم بجمهورية دستورية، ورفع صور لشيوخ دين بينما اهدافها الحقيقية هي تقويض النظام الملكي برمته وتغيير نسيجه الاجتماعي لصالح ايران.
وليس ادل على ان ما يجري في البحرين هو عزف على وتر الطائفية لتحقيق اهداف ابعد من ذلك بكثير من ان نرى قوى المعارضة تمثل توجها واحدا وتنسق مع احزاب وجماعات خارجية مثل حزب الله اللبناني والعراقي، وكذلك التهديد الايراني الصريح بالتدخل لحماية الشيعة في حال تدخل قوات درع الجزيرة لدعم الحكومة البحرينية ولا شك ان ذلك يعني تفجير المنطقة بكاملها واشعال حرب اهلية لا يعلم إلا الله كيف يمكن اطفاؤها.
وايران منذ فجر تاريخها في القرن العشرين لم تخف اطماعها الاستعمارية في الخليج مهما تغيرت الواجهات السياسية، فقد قامت باحتلال منطقة الاهواز العربية بالتعاون مع بريطانيا واغتالت الشيخ خزعل امير المنطقة العام 1936وما زالت تسوم اهلها سوء العذاب بالرغم من ان غالبية سكان الاهواز من الشيعة، ثم احتلت العام 1971 جزر الامارات الثلاث ورفضت اي تفاوض من اجل حل المشكلة، كما قامت مرارا بالمطالبة بضم البحرين اليها منذ العام 1971 وطلبت اجراء الامم المتحدة الاستفتاء على فارسية البحرين (لا ادري لماذا البحرين بالذات!).
وما زال نظام الملالي في ايران يسير بنفس الروح الفارسية القديمة ويهدد دول الخليج في كل مناسبة، ولا شك ان ذلك التسلح المخيف لإيران هدفه الاساسي هو تهديد دول الخليج وليس مواجهة عدوان خارجي، وان تجربة حزب الله في لبنان كفيلة بتنبيه دول المنطقة بأن التهاون في امن الوطن والمحافظة على نسيجه الاجتماعي له عواقب وخيمة.
نحن لا نتمنى ولا نرضى بأن يحدث العنف على ارض البحرين الشقيقة ولا ان تسيل الدماء وتتباعد القلوب، ولكننا نتفهم قلق البحرين ودول الخليج مما يحدث لأنها ليست انتفاضة شعبية كما هي في بقية البلدان العربية ولكن يقف خلفها تدخلات خارجية لها اهداف واضحة لم تتوقف منذ 70 عاما، وان استغلال الاحداث او خلقها هو اشبه بحصان طروادة الذي يلبس الثوب الطائفي لكي يلبّس على الناس حقيقة الامور.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com