| كتبت سماح جمال |
«الأوبريت» الغنائي والموسيقي عمل ضخم يصنع ليبقى في ذاكرة الشعوب سنوات طويلة، فمنذ الفترة ما بين 1975 وحتى 1995. حين قٌدم أول «أوبريت» كويتي تركت اغنياته بصمات** وطنية في الوجدان لا تمحى، نذكر منها (احنا عشقنا، قصة بلدنا، مذكرات بحار، السندباد البحري، حديث السور، موكب الوفاء) وغيرها من الأعمال الخالدة التي مازالت باقية حتى اليوم، نجحت لأسباب عدة أولها الفريق العامل من شعراء اغنية أفذاذ وملحنين عباقرة استلهموا الايقاعات الكويتية والجمل اللحنية الخاصة بهويتنا وقدمها غنام الديكان ومرزوق المرزوق وعبدالله العتيبي والشاعر البحريني الفايز ويعقوب الغينم ويعقوب السبيعي وسليمان الملا ومطربون يملكون اصواتاً قوية جدا مثل الكبير شادي الخليج وسناء الخراز في اوبريتات وزارة التربية التي كانت تكرس جهودا كبيرة لابرازها بشكل يليق باسم مناسباتنا الوطنية، كما شارك في الاوبريتات خارج اطار وزارة التربية فنانون لهم أثر في الوجدان كما خالد النفيسي وعبدالكريم عبدالقادر وغريد الشاطئ وبمشاركات من ممثلين ومطربين آخرين، زانت تلك الاعمال الكويتية جودة التركيز على أعلى درجات الانتاج وسخائه مثل الصرف الباذخ على الازياء الرائعة للاداء الحركي لمجاميع كبيرة من طالبات وطلاب وزارة التربية مزادنة بأزياء جميلة من التراث او من تراث الشعوب الاخرى بحسب اللوحة والمناسبة المقدمة. ذلك وان الدولة كانت تعبق بفكر ووجدان مستنير في مجالات الفنون والثفافة فكانت تدعمها خصوصا الاوبريت السنوي لوزارة التربية الذي تلاحمت به جميع اطياف المجتمع وكذلك الحكومة والافراد لكن في السنوات الأخيرة بدأ «سلق البيض» في «اوبريتات» جديدة لا تترك اي أثر لدى الجمهور الكويتي بالرغم من الملايين التي تصرف عليها، فهي فقيرة في شعرها الغنائي وضعيفة ومكررة لحنيا كما ان غالبية الاصوات التي تغنيها لا تملك حضورا وقوة كما كان في الماضي ايام شادي الخليج وسناء الخراز وفطاحل ذلك الزمان.
ارتفعت نغمة التحسر على ما كان في الماضي، ويعود الناس لمشاهدة الاوبريتات القديمة عبر اليوتيوب لانها تعبر عن الروح الجمعية للمجتمع وحسها الوطني العالي بجماليات وفن راق ويبقى السؤال عن سبب تجاهل دعوة الكبار للعمل لانتاج هذه الاوبريتات طالما ان نصفهم أحياء يرزقون وسنرى حتما اعمالا رائعة في ظل الدعم المادي السخي الذي توفره الدولة والذي يصاحبه تقدم تقني غير محدود.
«الراي» استطلعت آراء عدد من صناع «الاوبريتات» الكويتية الذين اتفقوا، مع تنوع اجاباتهم، على ضرورة عودة عجلة القيادة للثنائي الذهبي غنام الديكان وشادي الخليج اللذين حملا «الاوبريت» الكويتي من الكويت الى الخليج والعالم، وأسسا مدرسة غنية لاتزال أجيال اليوم تنهل منها في الكويت وعموم دول الخليج العربي.
د. سليمان الديكان، عميد المعهد العالي للفنون الموسيقية، رأى أنه من الصعب المقارنة بين ما كان يُقدم في الماضي وما يقدم الآن، لكن للجميع الحق في الاحتفال والغناء لوطنه، مضيفاً أن المشكلة من الناحية الفنية فما يقدم حالياً فيه هشاشة فنية من حيث الأفكار والقيمة، كما أن تكرار الأسماء التي لم تنجح لم تقدم جديداً أمر يسترعي الانتباه. أما عن الحل الذي يطرحه للخروج من هذا الوضع، فقال: ان الأمر ليس بهذه البساطة لكن أتمنى لو أن الجهات المسؤولة كلفت عدة جهات كوزارة الاعلام ووزارة التربية والمعاهد الموسيقية والتلفزيون ليقدموا أعمالهم لتعرض على لجنة مشاهدة مكونة من مخضرمين في الفنون الكويتية لتقرر العمل الذي يقدم أمام سمو الأمير.
وتابع: ما نحتاج اليه هو العدالة في توزيع المبالغ الهائلة المصروفة للأعياد الوطنية وأن يطولنا كمعهد شيء من الانتاج، فمعهد الموسيقى قدم عملين وطنيين من دون دعم، رغم أن هناك ما يفوق الـ90 متخصصاً موسيقياً وفنياً حاملين لشهادات عليا ودكتوراه ولا تتم الاستعانة بهم أو حتى الأخذ برأيهم في الوقت الذي يُستعان بأشخاص لايحملون حتى شهادات ولا أي موهبة فنية.
وفيما لو كان هو المسؤول عن تقديم «الاوبريت» المقبل فماذا سيفعل؟. أوضح الديكان أنه لن يلجأ الى عمل «شو»، بل سيقدم فكرة لها قيمة فنية على صعيد الألحان والأشعار وتوظف في سياق درامي، مضيفاً: سأقدم عملاً من غير تكرار لأن الأعمال التي تقدم في الآونة الأخيرة هي تكرار لأعمال قدمت قبل 40 عاما. وعن رأيه في التعاون بين أكثر من ملحن وشاعر في صنع «الاوبريت»، فقال: هذا الأمر فيه صعوبة تجانس، فمثلا السيمفونية يقدمها شخص واحد والرواية كذلك، ليكون هناك محافظة على السياق الدرامي، أما ما يقدم فلا يوجد فيه سياق أو تسلسل كونه عملاً لا يقسم على أفراد.
وردا على سؤال حول الاستعانة بالـ«بلاي باك» الذي يستخدم في «الاوبريتات»، فأجاب الديكان: ما يقدم من عروض أمام رؤساء الدول يجب تقديمه مباشرة على المسرح وليس «بلاي باك» الذي يدل على ضعف مستوى الحفل. وفيما ان كان يخجل من عرض بعض «الاوبريتات» الوطنية التي قدمت في السنوات الأخيرة في محافل موسيقية دولية، قال: نعم أخجل عند اطلاع أصدقائي الموسيقيين العالمين على «اوبريتات» موسيقية قدمت من بعد 1995، فأعظم ما قدم من أعمال وطنية كان بالفترة ما بين 1975 وحتى 1995.
وحول تقدم الكثير من دول الخليج في فن «الاوبريت» كالسعودية بـ«الجنادرية» وتراجع الكويت، أوضح الديكان أن السعوديين تقدموا لأنهم أخذوا المبدأ الصحيح من الثلاثي شادي الخليج وغنام الديكان وعبدالله العتيبي الذي اخترع مدرسة «الاوبريت» المتكامل في الخليج من الكلمات والألحان مروراً بالأزياء والديكور، ولهذا فأي شخص يريد عمل «اوبريت» يرجع لما قدمه هذا الثلاثي الكبير.
من جانبه، اتفق د. خالد القلاف مع د. الديكان حول الدور الذي قدمه الثلاثي ورأى أنهم طوروا «الاوبريتات» التي قدموها بصورة كبيرة كما كان لسليمان الملا دور بارز أيضا، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة كان هناك هبوط في مستوى الألحان من الناحية الأكاديمية، معتبراً أن ما يقدم من أعمال بالآونة الأخيرة أغانٍ عادية خالية من الهوية الوطنية وهو ما يؤدي الى فشلها.
وأضاف القلاف أن هناك نوعاً من «الاسترخاص» في بعض الأحيان فبدلاً من الاستعانة بالأصوات الجميلة تتم الاستعانة بطلاب المدارس دون انتقاء، وعندما مقارنة ذلك مع اختيارات الماضي التي أفرزت صوتاً كالطالبة سناء الخراز، وموجهاً كشادي الخليج الذي أدخل ايقاعات لكل الدول المشاركة باحتفالية 1989 ووظفها بطريقة فذة وفي سياقها الصحيح دون اقحام.
وعن سبب التراجع في السنوات الأخيرة، قال: ان هناك محسوبية ويجب الغاؤها، ومشكلتنا أننا نتحسر على الماضي وأمجادنا في حين أن عمالقة كغنام الديكان وشادي الخليج الذين يُطلبون لتقديم أعمال في كل دول الخليج يتم ركنهم على الرف وهم الذين قدموا أعمالاً خالدة وبميزانيات بسيطة بينما الأعمال الحالية التي تنفق عليها الملايين «تدفع على شنو؟».
وتابع القلاف: حتى أن ابنتي ذات الخمس سنوات عندما تستمع الى «اوبريتات» قدمت أخيراً تقول لي «بابا مو حلو نفس قبل» لأنها تربت على الأعمال العملاقة الخالدة في ذاكرتها رغم صغر سنها، فـ«الاوبريتات» الجديدة مثل فقاعات جميلة «تنبط» لكن ليست لها جذور ومستواها هابط وألحانها غير مقامية، وأتحدى أي شخص يدعي أن شادي الخليج وغنام الديكان ليس لديهما عطاء وأنا مسؤول عن كلامي كأستاذ بالمعهد الموسيقي منذ 10 سنوات.
أما رئيس مجلس ادارة فرقة الجيل الواعي المخرج الدكتور حسين المسلم فتحدث عن «الاوبريتات» وبداياتها التي بدأت مع الاحتفالات بالاستقلال على المسرح المدرسي الذي ظل لسنوات عديدة يقدم فقرات لها علاقة بالتراث الشعبي الموروث، وفي بدايتها كان الشعراء الموسيقيون يقلدون الأغاني العاطفية المصرية ويضعون لها كلمات تخص الموروث والوطن مع الاهتمام بالتشكيلات الحركية التي تجمع عنصري التشكيل والروح الفلكلورية. وأضاف: كانت التجهيزات تأخذ خمسة أشهر والفرقة الموسيقية تعزف مباشرة على المسرح وليس «بلاي باك» كما هو الآن، فما يقدم ليس «اوبريت» بل مجموعة أغان تجمع مع بعض، علماً أن «الاوبريت» له مواصفات مختلفة كالتسلسل الزمني المنطقي والدرامي أو القصصي، فأوبريت «نحبها قول وفعل» لا تزال الناس تحب مشاهدته الى اليوم لأنه جمع بين روح التراث مع اضافة التطويرات الحديثة.
واعتبر المسلم أن ليس أي مخرج يصلح لعمل «الاوبريت» فيجب أن يكون ملماً بالتشكيل وقادراً على التحكم بالأعداد الكبيرة، لذلك «الاوبريتات» القديمة التي لاتزال بصمتها مؤثرة.
ومن جهته، قال المايسترو سعيد البنا: انبهرت عندما شاهدت «الاوبريت» الأخير «الوطن إلا الوطن» في البداية فالاضاءة وشاشات «3D» والتقنيات الحديثة مبهرة فالانفاق ظاهر للعيان، لكن الاعتراض على المستوى الفني لأن كل اللوحات التي قُدمت استخدم فيها ايقاع «الدزة» أو الألحان السريعة مع أنهم ملحنون جيدون، فما قُدم عبارة عن مجموعة من الأغنيات المقسمة الى فقرات غنائية غير متناسقة وفها نوع من التكرار، ما انعكس على الأداء الحركي في التشكيلات التعبيرية التي ظهرت على وتيرة واحدة لأن الايقاع واحد.وأضاف أن الاوبريت عبارة عن مجموعة من الأغاني المختلفة ويتخللها حوار، وفي الماضي قُدمت «أوبريتات» خالدة بذاكرة الوطن الى اليوم مثل «مذكرات بحار» في عام 1979، وهو للشاعر البحريني محمد الفايز من ألحان غنام الديكان وغناء شادي الخليج وسناء الخراز.
وعن كيفية الاعداد لتلك «الأوبريتات» في الماضي، قال البنا: حضرتُ الى الكويت مع أول عيد استقلال في 1962 وعاصرت جميع الحفلات الوطنية واشتغلت فيها منذ البداية حتى «الشراع الكويت»، وشاهدت غنام الديكان وهو يأخذ خمسة أشهر على الأقل في التحضير وفي أحيان أخرى كان يبدأ التجهيز بمجرد انتهاء «الاوبريت» الذي يعرض، فكان يختار الألحان ويحرص على عدم تكرارها وأن تكون شاملة لجميع الايقاعات التراثية الكويتية، أما شادي الخليج فلم يكن مجرد مطرب فمن شدة حبه للعمل وتعلقه به كان يحرص على الاشراف على كل كبيرة وصغيرة من الأزياء والديكور والاضاءة.
وبدورها، تحدثت مصممة الأزياء رجاء البدر عن الأزياء التراثية للأوبريتات معتبرة أن الأزياء التي استخدمت في «الاوبريت» الأخير بعيدة كل البعد عن التراث رغم الاستعانة بخبراء ألمان لتصميم اضاءة في منتهى الحرفية، وقالت: تفهمنا ذلك لأننا لانمتلك مرجعية في هذا المجال لكن لماذا لم نستعن بخبراء الأزياء والأشخاص الفاهمين للتراث الكويتي فليس من المعقول أن يأتي زوار الكويت من جميع أنحاء العالم حتى يشاهدوا موديلات وأزياء معروضة في واجهات المحال الاجنبية في بلدانهم.
وأضافت: أنا لست ضد التطور ودخول التقنيات الجديدة بل نطالب بتوظيفها، فهناك بعض «الاوبريتات» حين أشاهد الأزياء المستخدمة فيها أجدها أقرب ما تكون لملابس أطفال في عيد ميلاد « ياهل صغيرنو»، فكيف نقدم «دشداشة» مطعمة بقماش نسائي؟ من الممكن أن تضيف لها تفاصيل ولكن لايعني هذا أن نلغي القديم أو نستخدم أزياء اسبانية في لوحات تعبر عن البيئة الصحراوية.
وفي ما يتعلق بالمقارنة بين فترات التحضير «للاوبريتات» قديماً وحديثاً، فأشارت البدر الى أنه كانت هناك لغة مشتركة وتعاون بين الملحن والشاعر والمغني والمخرج والأداء الحركي نتيجة حالة النضوج الفني، ومع الاسف نلحظ غياب لغة التعاون المشترك عند العاملين على «الاوبريتات» الحالية، مضيفة أن البعض قد يعتبر أن الأزياء أمراً ثانوياً ولا يعول عليه كثيرا وهذا اعتقاد خاطئ لأنه جزء من تكوين المجتمع وتاريخه وعندما نقدمها للجيل الحالي فيجب أن نكون أمناء بهذا النقل خصوصا أن الجيل الجديد لا يدرس هذه المواضيع في الكتب.
أما مدير ادارة الخدمات الانتاجية في تلفزيون الكويت عماد العصفور فلخّص التدرج الفني بين الماضي والحاضر بقوله كنا زمان نستخدم مواد بسيطة من الأخشاب والجبس، واذا كان «الاوبريت» وطنياً بالكامل فكنا نحرص على تمثيل البيئة الكويتية من خلال ابراز تراث الكويت القديم كالخيش والسدو مع بعض الاضافات التقنية البسيطة التي كانت موجودة في تلك الفترة، لكن مع التطور الكبير الحادث الآن من الاضاءة وحركة المسرح والكشافات الحديثة وشاشات «3D» حيث بدأنا نوظفها لخدمة العمل الا انها لا توظف بشكل جيد.
وأشار الى أن التقنيات الحديثة توفر جهوداً كبيرة وتعطي نتيجة أفضل على صعيد الصورة والابهار بـ«الكادر» المسرحي بما يثري العين المسرحية أكثر من الماضي، والناس تستمتع به، وأضاف: أما من ناحية الرسوخ في الأذهان وحفظ الأعمال الخالدة فأعتقد أننا حفظنا ما كان يقدم في الماضي أكثر، ولاأطعن بكلامي هذا في مجهود وعمل الآخرين فنحن نقدر ما يقدمه الجميع ولكن بالتأكيد الأعمال التي قدمها الأساتذة زمان كانت في الصميم وتحرك شجون الوطن كله. وان كان يعتبر الديكور الخاص بـ«الاوبريتات» الوطنية توثيقاً للتاريخ أكثر مما هو طابع جمالي، قال: هذه من أولوياتنا في نقل الصورة الصحيحة للتراث والتعبيرات الكويتية ليعرف المشاهد عبق الماضي من خلال هذه الصورة أكثر من تقديمنا لـ«شو» مبهر، فالبعض استخدم التقنيات وقدم أعمالاً جميلة وهناك من استسهل ولم يجتهد كثيرا.

«الأوبريتات الكويتية» في سطور

يقول الباحث في التراث الغنائي الكويتي صالح الغريب ان الاوبريت تصغير لكلمة «اوبرا» أي المسرحية الموسيقية الغنائية الخفيفة التي تضم في موضوعاتها المختلفة مجموعة من الألحان المتنوعة والرقصات المعبرة والمرتبطة بفكرة ومفردات الأوبريت.
وأوضح الغريب، في تصريح لـ«كونا»، أن تاريخ الأوبريت الوطني في الكويت يعود الى عام 1972 حين لحن المايسترو سعيد البنا مجموعة من الاوبريتات الغنائية الوطنية أبرزها اوبريت لطلبة وزارة التربية مدته 45 دقيقة من تأليف الشاعر الراحل محمد الفايز تغنى فيه بأمجاد الانسان الكويتي.
وأضاف أنه في عام 1981 لحّن سليمان الملا اوبريت «احنا عشقنا» وقدمته مدرسة «نسيبة بنت كعب المتوسطة للبنات» وشهدت الفترة ذاتها اوبريت «قصة بلدنا» الذي كتبه الشاعر الغنائي الراحل الشيخ خليفة العبد الله الخليفة الصباح ولحّنه يوسف ناصر وغناه عبدالكريم عبد القادر وفيصل عبد الله وخليفة بدر وهدى حسين وسارة المعتوق مع فرقة فيروز الهندي الشعبية.
وأشار الى أن الفنان عبدالعزيز المفرج، الشهير بشادي الخليج، يُعتبر أحد أبرز المطربين الذين قدموا مجموعة كبيرة من الاوبريتات الوطنية التي تفتخر بها المسيرة الغنائية الكويتية ومنها اوبريت «مذكرات بحار» للشاعر محمد فايز العلي التي نشرها عام 1962 وهي احدى الملاحم الخالدة وتجربة فريدة في الشعر الخليجي عموماً والكويتي خصوصاً وشكلت مادة خصبة وثرية للاوبريت الغنائي الكويتي.
وبيّن أن الشاعر الراحل الفايز تناول في تلك الملحمة مختلف جوانب حياة البحار الكويتي من مجتمع ماقبل النفط مستعرضا مأساته في تجربة، وحمل الديوان اسمها عبر مذكرات تمتد الى عشرين مذكرة وكل منها تمثل أحد وجوه مأساة حياة البحار والمصاعب والمخاطر التي كان يتعرض لها.
وقال الغريب ان الملحن القدير غنام الديكان أبدع بتلحين هذه الملحمة وغناها شادي الخليج مع سناء الخراز وحققت نجاحاً كبيراً وصنفت كاحدى الملاحم الخالدة حيث كانت ألحانها تعبر عن الخطوط العريضة التي رسمها شاعرها ضمن رحلة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ والمعاناة من فراق الأهل والشقاء في العمل.
وذكر الغريب بعضاً من الكلمات التي غناها شادي الخليج والتي تقول يا جارتي سيعود بحاري المغامر سيعود من دنيا المخاطر ولسوف تغرقني هداياه الكثيرة العطر والأحجار والماء المعطر والبخور ولقاؤه لما يعود كأنه بدر البدور.
وأوضح أن «مذكرات بحار» عرضت في أوكتوبر 1988 في الندوة العالمية للاذاعيين العالميين في كوريا الجنوبية عندما فازت الكويت بالجائزة الذهبية عن برنامج «السندباد البحري» في هذا التجمع العالمي الذي حضرته 105 دول.
وقال ان أغنية «قوافل الأيام» هي احدى الروائع الغنائية التي قدمها شادي الخليج بعد أغنية «مذكرات بحار» ومن ألحان غنام الديكان، وتتألف من ايقاعات متعددة استخدم فيها ملحنها للمرة الأولى ايقاع «السنكني» وأكثر من أسلوب غنائي باستخدام الايقاعات الشعبية المختلفة كما ربط ألوان لحن الصوت العربي بالخيالي والصوت الشامي بتسلسل غنائي واحد.
واعتبر الغريب أن هذا اللحن يّعد تجديدا من ناحية الكورال، وأول لحن كويتي يوزع توزيعاً كورالياً الى جانب التوزيع الأوركسترالي الذي قام به المايسترو يوسف السيسي.
وأشار الى أنه في عام 1982 غنّى شادي الخليج «أنا الآتي» من شعر العتيبي وألحان الديكان واستخدم فيه ايقاع «العدساني البحرين» للمرة الأولى، وفي أغنية «الزمان العربي» أيضاً، وقدمت في حفل اختتام مهرجان الخليج الثالث للانتاج التلفزيوني عام 1982.
وعن الملحمة الغنائية «حديث السور»، التي قدمت قبل «مذكرات بحار» وتحديداً في 25 فبراير عام 1988 وأداها شادي الخليج من شعر د.عبد الله العتيبي وألحان غنام الديكان، أوضح الغريب أنها قُدمت ضمن قالب كلاسيكي غنائي على المسرح وشارك فيها 50 عازفاً من اوركسترا وزارة التربية و70 طالباً من كورال الوزارة وفرقة التلفزيون للفنون الشعبية وعزفت فيها العديد من الايقاعات الكويتية منها «التوشيحة» و«الصوت» و«السامري» و«الدوسري».
وأشار الى قيام الثلاثي شادي الخليج وغنام الديكان والدكتور عبدالله العتيبي بتقديم اوبريت «مواكب الوفاء» عام 1989 بمشاركة نحو ثلاثة آلاف طالب اضافة الى مدرسين ومدرسات من وزارة التربية.