كتب عمر العلاس
عندما يرفه الصعيدي عن نفسه فهو بحاجة الى دخول «معركة» بالعصا الغليظة او التي تعرف في اللهجة المصرية بـ«الشوم»، ويقابلها بالكويتي «العجرة» ففي الامساك بها والدخول في مبارزة** شرسة مع ابناء جلدته... قمة اللهو ومنتهى اللذة، الا انها معركة دون اصابات اذ لها اصولها وقواعدها التي تكفل عدم اراقة الدماء في حلبة «التحطيب».
وما هو التحطيب؟... «انه فن يولع به أبناء الصعيد على وقع انغام المزمار، وهو ليس مجرد لعبة عادية تقتصر على مجرد الامساك بالعصا والوقوف أمام الخصم لمبارزته، بل فن له قواعده وأصوله الصارمة التي لا بد من تعلمها جيدا قبل الاقبال على حمل العصا».
والتحطيب المصري له جذور قديمة ومتأصلة تعود الى العصر الفرعوني وأبناء الصعيد الذين توارثوا هذا الموروث الشعبي يذهبون وراءه اينما سمعت نغمات مزماره ونصبت حلبة عصاه، ورغم انه رياضة تعتمد على الهجوم والدفاع والفكرة القتالية، فان له أخلاقياته التي تدعو الى التسامح والاخاء وتعبر عن كرامة ابن الصعيد وشهامته.
ويؤكد ابناء الصعيد من هواة اللعبة في الكويت «ان التحطيب المصري نبع ارتشفت منه كثير من حضارات العالم فنونها مثل فن «اليوشو» الياباني والمبارزة القديمة التي انتشرت في معظم الحضارات الغربية، والتي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني».
ويوضحوا «أن حركات العصا في لعبة التحطيب والتلويح بها ليست عشوائية، بل تنقسم الى تحية، واستعراض وحركات رش، وفتح باب»، مبينين «ان هناك طريقة لتحكيم اللعبة لا يعرفها سوى ممارسيها... وللتعرف على المزيد من المعلومات عن التحطيب اليكم اللقاءات التالية:
المهندس عاطف المقواي يقول عن تاريخ نشأة لعبة التحطيب «التحطيب المصري له جذور قديمة ومتأصلة في التاريخ تعود الى العصر الفرعوني ودليل ذلك وجودها في نقوش جدران المعابد، موضحا أن علماء الآثار اكتشفوا صورا كثيرة تعبر عن أشخاص يتبارزون بالعصي كرياضة».
ويضيف حول الفرق بين العصا المستخدمة حينذاك وعصا اللعبة في الوقت الحاضر «العصا التي استخدمها القدماء المصريون كانت مصنوعة من نبات البردي المعجون حتى لا تكون مؤذية، الا أن مثيلتها التي استخدمت في مراحل أخرى من التاريخ وحتى الآن أكثر صلابة».
ويوضح «العصا هى العنصر الأساسى فى رقصة التحطيب ومنذ فترة ليست بالبعيدة كانت تستخدم الشومة الغليظة (الزقلة)، وهذه غير مستخدمة الآن لأنها تؤذى، وتسمى العصا الغشيمة وبدلاً منها يستخدم في الوقت الحاضر عصا من الخيزران الخفيف».
ويتابع «رغم ان العصا تغيرت مواصفاتها الا أنها ليست عصى عدوان، ورغم فكرة فن التحطيب القتالية المعتمدة على الهجوم والدفاع الا أنه يظل رياضه لها أخلاقياتها التي تدعو الى التسامح والاخاء وتعبر عن كرامة ابن الصعيد وشهامته».
وعن ماذا يتحقق لممارس تلك اللعبة من فوائد يقول «لعبة التحطيب تعلم الانسان الصبر والجرأة وكثيرا من القيم الأخرى»، مضيفا «هي ليست مجرد لعبة عادية، انما هي فن في البداية، ولابد للمحطب أن يتمتع بذكاء ولياقة بدنية عالية ونظر حاد وسرعة بديهة وتركيز وقوة بدنية وجسمانية تمكن المبارز من الامساك بالعصا جيدا حتى لا تقع من يده ويصبح مثار سخرية من المشاهدين».
ياسر عزت يقول حول مدى انتشار تلك اللعبة «رغم ان التحطيب لعبة محلية منتشرة في صعيد مصر، الا انه انتقل بشكل آخر الى كثير من حضارات العالم الاخرى ويمكننا القول انه كان نبعاً ارتشفت منه كثير من الحضارات فنونها مثل فن (اليوشو) الياباني والمبارزة القديمة التي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني».
ويتابع حول بدايته مع اللعبة «بدايتي منذ أكثر من 10 سنوات وشجعني على ممارساتها والدي الذي يعد من أبرز محترفي تلك اللعبة في مركز البلينا محافظة سوهاج في صعيد مصر». مضيفا «هي لعبة ترمز لدينا الى الشجاعة والفروسية والرجولة والاقدام».
ويضيف حول كيفية تعلم اللعبة «في البداية تتطلب من الشخص كما الحال في أي رياضة أخري تعلم بدائياتها ومنها كيفية مسك العصا وطريقة القفز وكيفية الدفاع عن النفس وطريقة الهجوم وطريقة الدوران والحركة في الحلبة، وتلك البدائيات يمكن للشخص اكتسابها من خلال الاستماع الى والده أو نصائح ممارسي تلك اللعبة وهو ما يسمى علميا بطرق التدريس النظرية الى جانب حضور حلقات التحطيب ومشاهدة ممارسي تلك اللعبة على أرض الواقع والاستفادة من خبراتهم والنزول تدريجيا الى ساحة الحلبة وهو ما يسمى علميا بطرق التدريس العملية».
ويضيف حول مدى الاقبال في الوقت الحاضر على اللعبة «للأسف بدأت في الفترة الأخيرة في الانقراض والاندثار في كثير من قرى الصعيد، لكن هذا لا يمنع أن هناك من محبيها من يذهبون وراءها في أي مكان تتواجد فيه نغماتها وساحاتها، لأجل اشباع رغبتهم في ممارستها، ضاربا مثال على ذلك بنفسه»، قائلا «لا أستطيع الاستغناء عنها حيث هوايتي المعشوقة».
ويضيف حول طبيعة الأشخاص الذين يقبلون على ممارسة تلك اللعبة «حاليا الغالبية العظمى من الشباب المتعلم وان كانت هناك خبرات تحن الى ماضيها مع اللعبة، وهم بمثابة اساتذة نحترمهم ونقدرهم ونستفيد من خبراتهم».
ويضيف «ما يسعدنا في الفترة الاخيرة ان هناك مهرجانات سنوية بدأت تنظم في محافظات الصعيد حافظا على هذا الموروث الشعبي من شبح الانقراض ولا يسعنا الا الدعوة للمحافظة على كل الفنون التي تحفظ للشعوب هويتها الثقافية».
ويقول محمد ابو القمصان الفائز بالمركز الاول على مستوى محافظة سوهاج في مهرجان لعبة التحطيب حول كيفية التحكم في حركات العصا «حركات العصا والتلويح بها ليست عشوائية، بل لها قواعد ومبادءها التي تحكمها، مبينا ان العصا على سبيل المثال لابد ان تكون في وضع أفقي عندما يريد اللاعب صد عصا منافسه، والخطوة أو الحركة التي يخطوها اللاعب تكون محسوبة وليست عفوية».
ويوضح حول كيفية احتساب نقاط الفوز فيها «هناك قواعد في اللعبة لا يعرفها سوى لاعبيها ومن تلك على سبيل المثال ان العودة للخلف بالظهر لخارج الحلبة تحسب نقطة على اللاعب لصالح خصمه، وضربة الرأس تحسب بثلاث نقاط، بينما تساوي الضربة على الجزء الأوسط من الجسم نقطتان، والضربة على الساق نقطة واحدة، وقدرة أحد الخصمين على اسقاط العصا من يد الآخر بالضغط عليه فان ذلك يعني فوزه».
وحول طريقة لعبة التحطيب وكيفية ممارستها يقول علي عبدالله «يتقابل الرجلان وكل منهما ممسكا بعصاه وقبل البدء في المنافسة عليهما أن يقوما بتقديم التحية للزمار والتحية حسب ما هو متعارف عليه لدينا تقديم مبلغ من النقود للزمار وتسمى «النقطة» والتحطيب ينقسم الى تحية، ثم حركات استعراضية، ثم حركات الرش، وفتح الباب، وقد يدخل اللاعب مباشرة في التحام مع الآخر ليفتح الباب، وقد يتفق اللاعبان على تطويل فترة الاستعراض لامتاع الجمهور».
ويضيف عبدالله «المجموعة الموجودة من اللاعبين، والأصدقاء حول الدائرة يكون لهم دور تأميني مهم جداً، فعندما تأخذ الحماسة اللاعبين، ويدخلان في مشاحنة حقيقية، وعند احتمال اصابة أحدهما يتدخل اللاعبون والأصدقاء من الخارج. وقبل ان يتحول التنافس الى عداء ومشاحنات يقوم اثنان آخران بتسلم العصا ويأخذان العصا من لاعبي الحلبة بكلمة سو تعاد الكرة مرة أخرى».
ويتابع «في النهاية يتعانق اللاعبان، وهكذا تسهم اللعبة في اضفاء جو من المرح على كل المتفرجين الذين يأتون في الصعيد من قرى بعيدة لمشاهدتها، وعلينا معرفة ان هناك شرطا أساسيا لدخول حلبة التحطيب وهو الالتزام بارتداء الجلباب الصعيدي الشعبي، حيث من دونه لا يمكن لأي شخص أن يشارك في اللعبة».
وعن أهم المناسبات التي تمارس فيها لعبة التحطيب يقول أحمد الكتاتني «من أهم حلقات التحطيب في صعيد مصر الموالد ومن ذلك مولد سيدي عبدالرحيم القنائي في قنا وسيدي العارف بالله بسوهاج، وسيدي أبي العباس، وسيدي ابي الحجاج الاقصري، وفي تلك المناسبات يعلن عن رفع العصاية من بعد العصر حتى المغرب. وكذا من أهم مناسبات تلك اللعبة الأفراح».
وعن أشهر فرق المزمار البلدي المرتبطة باللعبة يبين الكتاتني «ان من أشهر فرق المزمار البلدي لتلك اللعبة فرق سوهاج والاقصر وقنا وفرقة مزمار جراجوس بقوص وفرقة مزمار جهينة بسوهاج وفرقة مزمار الحاج السيد ابو الحاج احمد ببرديس وفرقة الحاج حمدان فى البربا بجرجا لكن بعضا من هذه الفرق بدأ في الانقراض لقلة ذات الطلب عليها».
ويضيف الكتاتني حول ممارسته للعبة في الكويت «نجتمع مجموعة من هواة اللعبة في نهاية كل اسبوع وتحضر مجموعة أخرى من المتفرجين، وهؤلاء لهم الدور الاكبر في اكساب اللعبة مزيدا من المتعة لكن ما تفتقده بوجه عام فرقة المزمار البلدي التي يستعاض عنها بشريط كاسيت لاحدى الحفلات في صعيد مصر».
ويختتم اليوم نمارس التحطيب الذي يرمز لدينا الى الفرح والسرور لنشارك شعب الكويت، كويت العزة والكرامة أعيادها الوطنية حيث أعيادهم أعيادنا وفي نفس الوقت احتفالا وتعبيرا عن عودة الاستقرار بلدنا العزيز ونجاح الثورة المصرية.
ويبين عامر الفار حول اسباب قلة الاقبال على اللعبة في الوقت الحاضر «فن التحطيب من الفنون الشعبية العريقة ورغم أنه موروث من أجدادنا المصريين القدماء الا أني لمست أن هذا الفن يكاد يختفي لاعتقاد خاطئ حيث يعتقد البعض أن من يحمل العصا «الشومة» في يده هو شخص عدواني يبحث عن اختلاق المشاكل وهذا ليس بالصحيح على الاطلاق».
ويكمل «هذه النظرة هي السبب في اختفاء فن التحطيب في كثير من القرى المصرية رغم ان التحطيب بريء من كل اشكال العنف، مضيفا جوهر التحطيب نشر الحب والمودة بين افراد المجتمع حيث هو بالنهاية رياضة فيها ترويح على النفس وتجميع الروابط المجتمعية. ووسيلة من الوسائل السليمة التي تعلم الشباب كيفية الدفاع عن النفس ومواجهة المواقف الصعبة.
ويقول علاء البرديسي حول اقتران التحطيب عند البعض بالعنف «التحطيب فن وليس كما يشاع رياضة عنيفة أو عدوانية ودليل ذلك ان التاريخ منذ نشأة اللعبة لم يسجل حادثا واحدا ينطوي على عنف ودعوتي للاباء من اهل الصعيد أن يشجعوا الأبناء والشباب على ممارسة هذا الفن الذي يأخذ في الانقرض».
ويضيف البرديسي «من خلال ممارستنا للعبة نعبر عن الفرحة والترفيه وعن الهوية الثقافية التي يجب أن نحافظ عليها وسط زحام الثقافات وحتى نحمي تراثنا ونحافظ على أصالتنا وعلى الموروث الشعبي».
وعن لماذا الالتزام بالجلباب الصعيدي لممارسة تلك اللعبة يقول محمد فؤاد «الجلباب من خلال طبيعة تصميمه الفضفاضة يعطي اللاعب مرونة في الحركة، علاوة على انه موروث ارتبط باللعبة، وكذا جمالية حركات اللعبة يظهرها الجلباب اكثر من أي زي آخر».
ويضيف حول عما ان كانت لهم مشاركات رسمية هنا في بعض الاحتفالات «لعبة التحطيب لعبة شعبية ونتمنى انتشارها وبالطبع سنكون سعداء ان وجهت لنا الدعوة للمشاركة في أي احتفالات وما أود أن أشير اليه أن معظم ممارسي تلك اللعبة من ابناء الصعيد المتواجدين في الكويت هم من حملة المؤهلات العالية بمعنى ان لديهم القدرة على المشاركة في أي احتفال».
ويبين بخيت ابو القمصان حول حركات اللعبة الجمالية «هناك حركات جمالية يستمتع بها الجمهور من الحاضرين ومن تلك الحركات حركات التمويه وخفة حركة العصا وسرعة الرش مع توفير دفاعك عن نفسك والقفز بطريقة اكروباتية وغير ذلك من الحركات المتعددة الاخرى».