صباح الوفا يا كويت، صباح الحب يا دار سلوى وقصر دسمان، صباح الحرية يا شعب الصمود الأبطال، كل عام وأنتم بخير وعسى أيامكم دوماً أعياد. لقد شاءت الأقدار والظروف أن أكتب بعد 20 عاماً من الغزو العراقي... 20 عاماً مرت ومازلت أحمل في طيات نفسي ذكريات أليمة لم أفلح أترجمها وأخطها على الورق. أكتب اليوم عن معاناة لحظات حرجة وموجعة ازدحمت فيها مشاعر الذهول والحزن والصدمة. اليوم يحق لي أن أتذكر ويحق لي التذكير ويحق لي ألا أنسى ذكرى أليمة مازالت محفورة في الوجدان، أسترجع معها أصعب رحلة مرت في حياتي أبان الغزو العراقي منذ خروجي القسري من الكويت بتاريخ 1990/10/25 متجهة إلى السعودية، ومنها للبحرين، ثم الأردن، ومنها للعراق، حتى احتضنت تراب الوطن الغالي أثناء الغزو العراقي بتاريخ 1990/12/25... أطلقت عليها «رحلة العذاب» وتصلح أن تكون فيلماً وثائقياً. هذا الغزو حاول أن يدمرني من الداخل حتى أصبت بخواء روحي كاد يبتلعني لولا العروبة الحقيقية التي تسكنني، والتي حرص والدي أن يغرزها فيي منذ الصغر، لما كنت إلى الآن أهتف لفلسطين، ولأي بلد عربي يُنتهك.
في فجر الخميس المشؤوم كان الشعب يغط في أحلام «العروبة» ولم يرها، فقد استيقظ الناس على دوي انفجارات وقصف سريع ومفاجئ، كان الجميع في حالة هلع وذعر لما يحدث، ومع توالي أيام الاحتلال العصيبة لم يكن أمامنا ككويتيين بكل أطيافنا إلا المقاومة بعد أن غُرز الخنجر العراقي في خاصرة الكويت، وأحدث بكويتنا ما أحدثه المغول في زمن مضى، بدأ الشعب مرحلة العصيان المليئة بالبطولات والتي أظهرت المعدن الأصيل للشعب الكويتي، بل ورسخت معنى الوحدة الوطنية التي طالما تغنينا بها، فكان صمودنا بمنزلة أقوى الأسلحة في مواجهة جنود الاحتلال، وكان التكافل والترابط الاجتماعي مثالاً ناصع البياض للعالم كافة، فالغزو العراقي على غدره ومآسيه لم ينل من تلاحم القيادة والشعب، والتاريخ سجل أروع قصة صمود وتحد شهده العالم، فصمود الشعب في الداخل ورفضهم للاحتلال وتمسكهم بالشرعية الكويتية كان ملحمة بطولية، وتلاحم الكويتيين في الخارج، ومبايعة آل الصباح في المؤتمر الشعبي بجدة وفق الدستور لتأكيد وجودنا أمام العالم كان نموذجاً وطنياً، وإصرار القيادة السياسية ورحلاتها المكوكية حول العالم وحنكتها في إدارة الأزمة كان دوراً عظيماً، كل ذلك تجلى في كسب تعاطف وتأييد معظم حكومات وشعوب العالم حتى نالت الكويت انتصارها بالدم.
إن ما حدث عام 90 أمر جلل، وحري بالشعب الكويتي أن يقف في ذكرى العيد الوطني وعيد التحرير وقفة تأمل يسترجع فيها مسيرة أعوام من التضحيات لشحذ الهمم، لنكون امتدادا للأوائل الذين مهدوا بداية الطريق وأفسحوا لنا الفرصة لنواصل مده إلى آفاق المستقبل، فإن ما نحتاجه حقيقة في واقعنا الراهن هو الامتداد الحقيقي لجذور الماضي، وهذه الذكرى بتفاصيلها تستحق أن تروى لأبنائنا الذين لم يعيشوا هذه اللحظات التاريخية الخالدة، فمن حق الجيل الذى أتى بعدنا أن يطلع على تاريخنا ويستفيد من خبرتنا إن وجد فيها ما يفيد... فتاريخنا وخبرتنا خير هدية نقدمها لأجيالنا المقبلة.
***
نشكر صاحب السمو الأمير على المنحة الأميرية... فقد جاءت من أمير كريم لشعب عظيم.


وضحة أحمد جاسم المضف
walmudhafpen@hotmail.com
Tiwttre@wadhaalmudhaf