واحد وأربعون عاماً مرت على الشعب الليبي وهو يقبع تحت الاحتلال القذافي الذي لم يعرف التاريخ له مثلاً، فهو احتلال من صنع محلي أفرزته ثورة الفاتح التي لم تكن سوى ثورة أغلقت أبواب ليبيا في وجه التطور والتقدم والحرية، وأغرقتها في بحور من التخلف والجهل والفقر ما عرفتها هذه البلاد الطيبة طيلة تاريخها العريق، وهو احتلال فردي يمجد الفرد الحاكم، ويطلق يده في مقدرات الملايين من الأفراد المحكومين دون سائل أو رقيب، وهو احتلال هلامي لا لون له ولا رائحة، علامته المسجلة والمميزة والفريدة والوحيدة هي معمر القذافي الغريب الطباع والأفكار والأسلوب والسلوك، والذي شاءت الأقدار أن يجلس على كرسي الحكم الليبي ليحوله إلى كرسي للتحكم وليس الحكم ويلتصق به التصاقاً سيامياً، ذلك الالتصاق الذي يحتاج إلى عملية جراحية دقيقة وخطيرة ليتم الفصل بين الملتصقين.
ويبدو أنه قد حان وقت الفصل، فلم يعد الشعب الليبي قادراً على العيش بهذا التشوه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أثر على جميع نواحي الحياة، وعزل دولة ليبيا عن العالم الدولي المنفتح على بعضه، وأصبحت بكل ما تملكه من إمكانات بشرية وجغرافية وثروات طبيعية رهناً لهذا القذافي وأبنائه يعيثون بأرضها فساداً ويذيقون شعبها ذلاً ويسرقون خيراتها عنوةً، وأصبحوا السيوف المسلطة على رقاب أبناء عمر المختار يبطشون بها متى رغبت نفوسهم المريضة، فكانت الثورة، الثورة الحقيقية التي تولد من وجع الشعب وقهره لتطهر تاريخه المقبل من جراثيم الماضي البائد، وترسم للأجيال القادمة مستقبلاً يحاكي العصر الحديث بكل متطلباته.
ورغم أن التوقعات كانت تشير إلى أن هذه الثورة ستدفع ثمناً أغلى من ثورتي تونس ومصر إلا أن الكارثة الموجعة أن الثمن الليبي كان أضعافاً مضاعفة، ويبدو أن هناك تناسباً طردياً بين عدد الأعوام التي يقضيها الحاكم على كرسي التحكم وعدد ضحايا الثورة عليه، وبمقارنة بسيطة بين الثورات العربية الثلات التي حصلت حتى الآن نجد أنه كلما زاد عدد أعوام التحكم زادت مقاومة المتحكم للتغيير المقبل، وبالتالي يزداد عدد الضحايا من الثائرين الساعين للتغيير، والمصيبة الأكبر أن هذا القذافي من المعمرين على كرسي التحكم، والخوف كل الخوف من مدى مقاومته للثورة، وهو الذي نعت نفسه بأنه الصخرة الصماء.
وهو فعلاً صخرة صماء ليس لأنه عاند أميركا وبريطانيا كما يدعي، بل لأنه يعاند نفسه فيصف نفسه بالمجد وهو في قمة هوانه وذله، ويعاند الزمن فيقف على حدود الخيمة التي هجرها سكانها منذ زمن، ويعاند التاريخ الذي لابد أن يتخطاه كما تخطى غيره من قبل، ويعاند سنّة الحياة التي لابد أن تسير كما رسمها رب العالمين، ويعاند رغبة شعب أشبعه ذلاً فانتفض ثائراً يطلب العزة والحرية، لكن عناده هذا لا يمكن أن يقف في وجه الشعب إذا أزبد وأرعد، ولا يمكن للخوف أن يتملك من رأى الموت يحيط به من كل حدب وصوب، ولايمكن أن يعود الطير سجيناً إلى قفصه بعد أن جرب معنى الحرية، ولا يمكن لعجلة الأحداث المتسارعة أن تقف في محطة عفى عليها الزمن لتكون المحطة الأخيرة.
لقد حفر غير المعمر هذا قبره بيده، عندما استهان بالشعب الليبي الذي دحر الاحتلال الإيطالي بعناده واستبسال أبطاله وتمثيلهم الحقيقي لمعنى الصمود عندما كان المجاهدون يربطون أقدامهم بالحبال حتى لا يفكروا في الهرب من أمام الدبابات الإيطالية التي وقفت عاجزة أمام استبسالهم وعنادهم في سبيل حريتهم وحرية بلادهم، فشتان بين عناده الذي يريد به أن يسحق شعبه الذي استبد به طوال عقود ماضية، وبين عناد شعب يريد أن يتخلص من زعيم متغطرس أذاقهم الذل بكؤوس من الهوان.
وحفر غير المعمر هذا قبره بيده، عندما استأجر المرتزقة ودفع لهم من قوت الشعب ثمن الرصاص الذي يريد به إسكات صوت الحق، ولم يتعلم ممن سبقه من الطواغيت المخلوعين أن العنف في معالجة ثورة الشباب لا يزيدها سوى غليان، وأن الرصاصة عندما تقتل شاباً تثير مئات الشباب للثأر له، وأن التجارب السابقة أثبتت أن أأمن الطرق وأحكمها لمعالجة الثورة هي القبول بها وفتح الطريق لها وعدم محاولة الوقوف أمام طوفانها حتى لا تجرفه معها فتغرقه كما غرق فرعون وحاشيته في بحر موسى.
ستنجح ثورة أبناء المختار، لأن الله لا يرضى بالظلم لمن يطلب حقاً، ولأن لكل ظالم نهاية تبدأ من أول قطرة دم يسفكها عنداً، ولأن التاريخ لم يسجل أن شعباً أراد الحياة يوماً ولم يستجب له القدر، ولأن الغد المشرق البعيد أصبح لناظره المتشوق قريباً، ولأن الخلود صفة الخالق فقط ولابد أن يزول المخلوق بكل جبروته وطغيانه وأبديته المزعومة، ولأن الصبر مفتاح الفرج، ولا تملك الشعوب العربية اليوم سوى الصبر.
فصبر جميل آل المختار، والله المستعان.
مها بدر الدين
كاتبة سورية
maha_bader424@yahoo.com
ويبدو أنه قد حان وقت الفصل، فلم يعد الشعب الليبي قادراً على العيش بهذا التشوه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أثر على جميع نواحي الحياة، وعزل دولة ليبيا عن العالم الدولي المنفتح على بعضه، وأصبحت بكل ما تملكه من إمكانات بشرية وجغرافية وثروات طبيعية رهناً لهذا القذافي وأبنائه يعيثون بأرضها فساداً ويذيقون شعبها ذلاً ويسرقون خيراتها عنوةً، وأصبحوا السيوف المسلطة على رقاب أبناء عمر المختار يبطشون بها متى رغبت نفوسهم المريضة، فكانت الثورة، الثورة الحقيقية التي تولد من وجع الشعب وقهره لتطهر تاريخه المقبل من جراثيم الماضي البائد، وترسم للأجيال القادمة مستقبلاً يحاكي العصر الحديث بكل متطلباته.
ورغم أن التوقعات كانت تشير إلى أن هذه الثورة ستدفع ثمناً أغلى من ثورتي تونس ومصر إلا أن الكارثة الموجعة أن الثمن الليبي كان أضعافاً مضاعفة، ويبدو أن هناك تناسباً طردياً بين عدد الأعوام التي يقضيها الحاكم على كرسي التحكم وعدد ضحايا الثورة عليه، وبمقارنة بسيطة بين الثورات العربية الثلات التي حصلت حتى الآن نجد أنه كلما زاد عدد أعوام التحكم زادت مقاومة المتحكم للتغيير المقبل، وبالتالي يزداد عدد الضحايا من الثائرين الساعين للتغيير، والمصيبة الأكبر أن هذا القذافي من المعمرين على كرسي التحكم، والخوف كل الخوف من مدى مقاومته للثورة، وهو الذي نعت نفسه بأنه الصخرة الصماء.
وهو فعلاً صخرة صماء ليس لأنه عاند أميركا وبريطانيا كما يدعي، بل لأنه يعاند نفسه فيصف نفسه بالمجد وهو في قمة هوانه وذله، ويعاند الزمن فيقف على حدود الخيمة التي هجرها سكانها منذ زمن، ويعاند التاريخ الذي لابد أن يتخطاه كما تخطى غيره من قبل، ويعاند سنّة الحياة التي لابد أن تسير كما رسمها رب العالمين، ويعاند رغبة شعب أشبعه ذلاً فانتفض ثائراً يطلب العزة والحرية، لكن عناده هذا لا يمكن أن يقف في وجه الشعب إذا أزبد وأرعد، ولا يمكن للخوف أن يتملك من رأى الموت يحيط به من كل حدب وصوب، ولايمكن أن يعود الطير سجيناً إلى قفصه بعد أن جرب معنى الحرية، ولا يمكن لعجلة الأحداث المتسارعة أن تقف في محطة عفى عليها الزمن لتكون المحطة الأخيرة.
لقد حفر غير المعمر هذا قبره بيده، عندما استهان بالشعب الليبي الذي دحر الاحتلال الإيطالي بعناده واستبسال أبطاله وتمثيلهم الحقيقي لمعنى الصمود عندما كان المجاهدون يربطون أقدامهم بالحبال حتى لا يفكروا في الهرب من أمام الدبابات الإيطالية التي وقفت عاجزة أمام استبسالهم وعنادهم في سبيل حريتهم وحرية بلادهم، فشتان بين عناده الذي يريد به أن يسحق شعبه الذي استبد به طوال عقود ماضية، وبين عناد شعب يريد أن يتخلص من زعيم متغطرس أذاقهم الذل بكؤوس من الهوان.
وحفر غير المعمر هذا قبره بيده، عندما استأجر المرتزقة ودفع لهم من قوت الشعب ثمن الرصاص الذي يريد به إسكات صوت الحق، ولم يتعلم ممن سبقه من الطواغيت المخلوعين أن العنف في معالجة ثورة الشباب لا يزيدها سوى غليان، وأن الرصاصة عندما تقتل شاباً تثير مئات الشباب للثأر له، وأن التجارب السابقة أثبتت أن أأمن الطرق وأحكمها لمعالجة الثورة هي القبول بها وفتح الطريق لها وعدم محاولة الوقوف أمام طوفانها حتى لا تجرفه معها فتغرقه كما غرق فرعون وحاشيته في بحر موسى.
ستنجح ثورة أبناء المختار، لأن الله لا يرضى بالظلم لمن يطلب حقاً، ولأن لكل ظالم نهاية تبدأ من أول قطرة دم يسفكها عنداً، ولأن التاريخ لم يسجل أن شعباً أراد الحياة يوماً ولم يستجب له القدر، ولأن الغد المشرق البعيد أصبح لناظره المتشوق قريباً، ولأن الخلود صفة الخالق فقط ولابد أن يزول المخلوق بكل جبروته وطغيانه وأبديته المزعومة، ولأن الصبر مفتاح الفرج، ولا تملك الشعوب العربية اليوم سوى الصبر.
فصبر جميل آل المختار، والله المستعان.
مها بدر الدين
كاتبة سورية
maha_bader424@yahoo.com