تواجه المشاورات الجارية حاليا لتشكيل الوزارة العراقية المصغرة عقبات كثيرة، أبرزها أن الوزارة المصغرة لا يمكنها أن تتسع لتمثيل جميع الكتل السياسية، وإصرار جبهة التوافق على تولي حقيبة وزارة الداخلية، وتلك يعتبرها الائتلاف العراقي الموحد خطا أحمر وكانت من أهم مكاسب نتائج الانتخابات، أو ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي، بينما تعتبر جبهة التوافق أن الائتلاف قد استنفد استحقاقاته ولم يعد بالكتلة الكبرى حينما انسحب منها «التيار الصدري» و«حزب الفضيلة»، كما أن ذلك يستجيب لمبدأ تداول السلطة، وهناك مساومات أخرى.هذا على الصعيد الحكومي، أما على الصعيد النيابي فمازال الجدل يدور حول ميزانية عام 2008، أما قانون المساءلة والعدالة فقد دخل حيز التنفيذ بدلا من قانون اجتثاث البعث، ومازال قانون النفط والغاز بالانتظار، بينما ستبدأ المباحثات الرسمية حول الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأميركية في شهر مارس المقبل وما زالت التعديلات الدستورية لم تكتمل بعد، وهناك مطالب بإجراء انتخابات في مجالس المحافظات بقانون انتخابي جديد.لكن التطور الجديد والمعطى الإيجابي في هكذا حراك أنه يجري بشكل سلمي، وعبر حوار ودي على الرغم مما يستنبطه من نوايا غير معلنة، بعكس ما كان يجري في المرحلة الماضية من حوار يتسم بالسخونة ووسط أشلاء الضحايا والسيارات المفخخة، والقتلى المجهولي الهوية.إذاً هذا التطور الإيجابي يمكن تجذيره وتأصيله في العملية السياسية لأنه يعبر عن النضج، وبأن أساليب العنف التي كانت سائدة لم تجد نفعا بل أحس الجميع وبالملموس أن حوار الدم يجعل الجميع خاسرين، وستفرز هذه الحالة الجديدة حتما تحالفات واصطفافات جديدة، ونهوض تيارات بعيدة عن العملية السياسية بدأت تتحرك، ومنها «الحزب الوطني الديموقراطي» بزعامة نصير الجادرجي وقوى من الطبقة الوسطى التي عانت الإقصاء والتهميش.الوضع السياسي إذن أخذ يدشن مرحلة جديدة بمخاض جديد مختلف، من ناحية الكم والنوع، عما سبقه من مخاضات وأبرز سماته الابتعاد عن حوار الدم، كما انه يعبر عن نضج الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية، وهو نتيجة لفعالية الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني، وتجربة الأعوام التي أعقبت التغيير في 9/4/ 2003، والمطلوب من الجميع الارتقاء إلى مصاف المسؤولية الوطنية والمصالح العليا لهذا الوطن وهذا الشعب الذي عانى من الحروب والكوارث والأزمات، وإن إشراك الجميع في صنع القرار وتنفيذه هو الذي يحسم الوضع لبلد مزدهر وشعب آمن سعيد.

حميد المالكي

كاتب عراقيhamedamalky@yahoo.com