جاءني وفي رأسه تدور عشرات الأسئلة، دلف وأغلق الباب وراءه، وسألني هل أنت مشغول؟ قلت له نعم، ما وراءك يا رجل؟ لدي سؤال وأريد الإجابة عنه كونك متخصصا في التنمية البشرية، فقلت له: هات ما عندك، كلَّي آذان صاغية.
هو: معالي الوزير عازم هذه المرة على انتزاع الفساد في وزارتنا، بعد أن ضرب أطنابه، وعشعش في زواياها، ونسج خيوطه على جدرانها، ويقال أيضاً إنه سيضرب بيد من حديد هذه المرة، دون تردد، ولن تأخذه في الله لومة لائم، ولا عذل عاذل، وقد أخذ الضوء الأخضر لتصفية كل معوقات جهود التنمية في وزارته، سؤالي لك: هل تراه يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، أعني هل سينجح في خطته إن صدق؟
استرخيت على أريكتي بعد أن كنت متحفزاً في جلستي اهتماماً بما يقول صديقي، وقلت له، اسمع مني يا رجل، إن كل جهود التغيير في الحياة واجهت مقاومة عنيفة من المستفيدين من الوضع قبل التغيير، خذ مثلاً عندك الأديان السماوية، مع الفارق بالطبع، وهي تفشل، وأعني جهود التغيير، عندما يقع المسؤولون الراغبون في التغيير الحقيقي (وركز معي على الحقيقي) في بعض الأخطاء المنهجية، إليك بعضها:
1- الاعتماد على الرغبة والإرادة الشخصية لإحداث التغيير بعيد المدى، وهذا الحماس يزول بزوال شخص المسؤول عن الوزارة، ولذا فلا بد من تأسيس وترسيخ رأي عام داخل الوزارة وخارجها، يدفع إلى هذا التغيير ويسوّق له بشكل مستمر.
2- التركيز على القفزات الكبيرة في التغيير بدلاً عن الخطوات المتدرجة، فلا يُعقَل يا سيدي أن تُعزَل قيادات وأركان الوزارة دون أن يحدث ذلك فجوات في مسارات العمل، مما سيؤثر سلباً على الأداء بشكل عام.
3- إن تجاهل تأثير البيئة المحيطة، من أعضاء مجلس الأمة ووزراء وصحافة وفضائيات والشبكات الإخبارية والاجتماعية في الإنترنت، يعني فشل مهمة التغيير، فلا بد أن يحصل الوزير على الدعم في عملية التغيير، ورغم أن الأشخاص سبب مؤثر في ترعرع الفساد الإداري، إلا أن النظام العام في البلد مؤثر بشكل أعظم... فانتبه!
4- إن طغيان جلد الذات، على التحفيز الإيجابي، وتوجيه أصابع الاتهام للمقصرين، دون الإشارة للمجتهدين المميزين، يجعل العاملين يتهربون من القيام بمسؤولياتهم، ويركزون فقط على عدم الوقوع في الخطأ مستقبلاً خوفاً من اللوم أو العقوبة، مما يقتل روح المبادرة والإبداع في المستقبل، ويؤسس مبدأ (من خاف سلم).


د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh