| نادين البدير |
مع سائق التاكسي في لبنان.. نتبادل أطراف الحديث. لا تكفيه أحاديث عامة عن الطقس. يتمادى في أسئلته ليحاول الكشف عن هويتي وماضي ومستقبلي كبقية سائقي التاكسي.
بعد الانتهاء من التحقيق تحول فورا للموضوع التقليدي رقم 2 لسائقي التاكسي العرب، فأخذ يشتكي الهم والفقر وقلة القدرة وانقطاع الكهرباء والماء وغلاء الأسعار وارتفاع تنكة البنزين أخيراً. رن هاتفي وتوالت نقاشات عامة سريعة مع الطرف الآخر حتى جاءت إشارة لمشكلة الفقر في مصر وكيف أن 40 في المئة من سكان مصر يعيشون بأقل من دولارين يومياً. أغلقت الخط، فارتفع صوت السائق متعجباً (بصفته مشاركا طبيعيا بأي حديث يجري داخل حدود مركبته) : شو عما تقولي؟ كيف بعيش 40 في المئة بأقل من دولارين؟ و هالعشوائيات حقيقية؟ عمتمزحي عالأكيد.
لا أبدا ما أمزح
أعوذ بالله الواحد يعني يحمد ربه عحاله؟ أقل من دولارين؟ شو بتجيب هي؟ يا لطيف
لم يعد يحكي عن الفقر، انتقل للحديث عن الأزمة السياسية الكبيرة في بلد صغير جداً، وكيف أن كل السياسيين يعملون على تدمير البلد وزيادة الخراب.
نسبة الفقر في العالم العربي ارتفعت لحدها الأقصى. نسبته وتوقعاته مرعبة لم تعد تطاق
لا يعرف سائق التاكسي أن هناك خللا بتوزيع الدخل في بلده لبنان وأن 9 في المئة من السكان يعيشون بدولارين يومياً في بلد يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الناتج المحلي 5500 دولار. هناك دراسات تتحدث عن 25 في المئة من السكان بدخل يقل عن أربعة دولارات يومياً. كما تعيش 70 ألف أسرة دون الحد الأدنى للفقر عدا عن البطالة المتفاقمة.
في العراق تبلغ نسبة الفقر 60 في المئة من عدد السكان.. هناك أكثر من ثلاثة ملايين أرملة ومطلقة لا يجدن معيلاً وليس لديهن مصدر دخل شهري. وتبلغ نسبة البطالة 50 في المئة أي أن نصف عدد السكان عاطون عن العمل، كما أن سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر. أما الأردن فتبلغ نسبة أسره التي تحصل على دخل شهري أقل من دينار أردني إلى 70 في المئة من عدد سكان المناطق الفقيرة ويعيش 10 في المئة من إجمالي السكان بأقل من دينار واحد يومياً. كما يعاني 14 في المئة من سكان الأردن نقصا شديدا في الإمكانات والرعاية واحتياجات الحياة الأساسية. ويترنح حوالي مليون مواطن أردني تحت خط الفقر.
مصر تنال نصيب الأسد. مصر تجمع بين الفقر المدقع والجوع والبطالة الحادة. نسبة الفقر تخطت نصف عدد السكان لتصل إلى 80 في المئة. هناك فقراء مصريون لا يعرفون طعم الفاكهة ويكتفون بوجبة واحدة يومياً معتمدين على الفول والعدس.
وفي تونس المتقدة ارتفعت نسبة البطالة وزادت معدلات الفقر حتى أعلن الفقر وأعلنت البطالة ثورتهما الأخيرة.. هذه فقط بضعة من أمثلة.
ولأننا عادة ما نسلط الضوء على فاعلي الخير الغربيين وحبهم العجيب لدفع الأموال في سبيل إنقاذ المتأزمين والمتضررين من الفقر والأزمات المالية والنكبات الطبيعية، قررت اليوم تسليط الضوء على أحد الأثرياء العرب الذين لا يتوانون عن فعل الخير وتقديم المساعدات بمنتهى التواضع ومنتهى التكتم. والكتمان عادة يتبعها المسلمون الذين يؤمنون بأنه من الواجب إخفاء الصدقات. لكن برأيي، وخصوصا في هذه الأيام القاحلة التي ارتفعت بها مظاهر الفقر حتى طغت على جنبات المدن العربية، وزادت نسبة الفقراء حتى أكلت معظم شرائح المجتمع فلم يتبق سوى الطبقة العليا، برأيي يجب إعلان الصدقات ليتنافس عليها الأثرياء طالما أن الأمر سيصب بالنهاية لمصلحة الفقراء.
الأمير الشاب عبد العزيز بن فهد آل سعود تزوج أخيراً. وبمناسبة زفافه قرر أن يتكفل بتزويج ألف يتيم ويتيمة غير قادرين على تحمل تكاليف ونفقات الزواج. هكذا ستحل أزمة شريحة مجتمعية مكونة من ألف شاب وشابة.
بعد زواجه جرت السيول في المنطقة الغربية وفاضت شوارعها بسبب سوء التنظيم والتخطيط والفساد كعادتنا كل عام، وفاضت معها هموم إحدى العائلات. فقد غرق منها الأب وأبناؤه الثلاثة دفعة واحدة وعاش بقية أفرادها في حسرة على المفقودين. لتتوالى المصائب والنكبات على مشروع اسمه المواطن العربي. عبد العزيز بن فهد تكفل بتلك العائلة ودفع لهم مبلغاً ضخماً، المبلغ لن يعيد الغائبين وسط السيول لكنه سينقذ أما وأسرتها من الضياع بين ويلات الحياة بعد ذهاب زوجها ومعيلها.
جزء من ثروة الأمير الشاب مخصص ليوزع على المحتاجين والفقراء والمعوزين. عدد من المشاريع لبناء وحدات سكنية للفقراء على طول المملكة وعرضها ومشاريع جديدة لحفر آبار مياه في منطقة المدينة المنورة.
مكانته وأسرته تبعث على الاعتقاد بأنه يعيش في أبراج عاجية ولا يدري عما يحدث في الطبقات الدنيا من البرج، لكنه يعي ويعلم كل شيء عن الجوع وعن الفقر ومآسي المواطن البسيط.
الوسيم الشهير الذي تمنته الأكثرية الحالمة من الفتيات، الشاب الأسطورة بالنسبة لشابات جيله. مظهره لا يوحي بأي حياة ملكية متكبرة، إذ يظهر بملابس بسيطة لا تفرقه عن أي فرد في المجتمع لكنها بلا شك تقربه من الناس، يتعمد مخالطة المثقفين وفئات مختلفة من الناس ويتعمد البحث عن كل فقير ومساعدة من يصادف من المحتاجين. هذا ما لحظته فيه.
وهذا ما نتمنى ملاحظته في أثرياء العرب الذين ينامون ولا يعرفون شيئا عن البقية المستيقظة في انتظار الفراش والغذاء ولسا الدنيا بخير.
كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com
مع سائق التاكسي في لبنان.. نتبادل أطراف الحديث. لا تكفيه أحاديث عامة عن الطقس. يتمادى في أسئلته ليحاول الكشف عن هويتي وماضي ومستقبلي كبقية سائقي التاكسي.
بعد الانتهاء من التحقيق تحول فورا للموضوع التقليدي رقم 2 لسائقي التاكسي العرب، فأخذ يشتكي الهم والفقر وقلة القدرة وانقطاع الكهرباء والماء وغلاء الأسعار وارتفاع تنكة البنزين أخيراً. رن هاتفي وتوالت نقاشات عامة سريعة مع الطرف الآخر حتى جاءت إشارة لمشكلة الفقر في مصر وكيف أن 40 في المئة من سكان مصر يعيشون بأقل من دولارين يومياً. أغلقت الخط، فارتفع صوت السائق متعجباً (بصفته مشاركا طبيعيا بأي حديث يجري داخل حدود مركبته) : شو عما تقولي؟ كيف بعيش 40 في المئة بأقل من دولارين؟ و هالعشوائيات حقيقية؟ عمتمزحي عالأكيد.
لا أبدا ما أمزح
أعوذ بالله الواحد يعني يحمد ربه عحاله؟ أقل من دولارين؟ شو بتجيب هي؟ يا لطيف
لم يعد يحكي عن الفقر، انتقل للحديث عن الأزمة السياسية الكبيرة في بلد صغير جداً، وكيف أن كل السياسيين يعملون على تدمير البلد وزيادة الخراب.
نسبة الفقر في العالم العربي ارتفعت لحدها الأقصى. نسبته وتوقعاته مرعبة لم تعد تطاق
لا يعرف سائق التاكسي أن هناك خللا بتوزيع الدخل في بلده لبنان وأن 9 في المئة من السكان يعيشون بدولارين يومياً في بلد يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الناتج المحلي 5500 دولار. هناك دراسات تتحدث عن 25 في المئة من السكان بدخل يقل عن أربعة دولارات يومياً. كما تعيش 70 ألف أسرة دون الحد الأدنى للفقر عدا عن البطالة المتفاقمة.
في العراق تبلغ نسبة الفقر 60 في المئة من عدد السكان.. هناك أكثر من ثلاثة ملايين أرملة ومطلقة لا يجدن معيلاً وليس لديهن مصدر دخل شهري. وتبلغ نسبة البطالة 50 في المئة أي أن نصف عدد السكان عاطون عن العمل، كما أن سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر. أما الأردن فتبلغ نسبة أسره التي تحصل على دخل شهري أقل من دينار أردني إلى 70 في المئة من عدد سكان المناطق الفقيرة ويعيش 10 في المئة من إجمالي السكان بأقل من دينار واحد يومياً. كما يعاني 14 في المئة من سكان الأردن نقصا شديدا في الإمكانات والرعاية واحتياجات الحياة الأساسية. ويترنح حوالي مليون مواطن أردني تحت خط الفقر.
مصر تنال نصيب الأسد. مصر تجمع بين الفقر المدقع والجوع والبطالة الحادة. نسبة الفقر تخطت نصف عدد السكان لتصل إلى 80 في المئة. هناك فقراء مصريون لا يعرفون طعم الفاكهة ويكتفون بوجبة واحدة يومياً معتمدين على الفول والعدس.
وفي تونس المتقدة ارتفعت نسبة البطالة وزادت معدلات الفقر حتى أعلن الفقر وأعلنت البطالة ثورتهما الأخيرة.. هذه فقط بضعة من أمثلة.
ولأننا عادة ما نسلط الضوء على فاعلي الخير الغربيين وحبهم العجيب لدفع الأموال في سبيل إنقاذ المتأزمين والمتضررين من الفقر والأزمات المالية والنكبات الطبيعية، قررت اليوم تسليط الضوء على أحد الأثرياء العرب الذين لا يتوانون عن فعل الخير وتقديم المساعدات بمنتهى التواضع ومنتهى التكتم. والكتمان عادة يتبعها المسلمون الذين يؤمنون بأنه من الواجب إخفاء الصدقات. لكن برأيي، وخصوصا في هذه الأيام القاحلة التي ارتفعت بها مظاهر الفقر حتى طغت على جنبات المدن العربية، وزادت نسبة الفقراء حتى أكلت معظم شرائح المجتمع فلم يتبق سوى الطبقة العليا، برأيي يجب إعلان الصدقات ليتنافس عليها الأثرياء طالما أن الأمر سيصب بالنهاية لمصلحة الفقراء.
الأمير الشاب عبد العزيز بن فهد آل سعود تزوج أخيراً. وبمناسبة زفافه قرر أن يتكفل بتزويج ألف يتيم ويتيمة غير قادرين على تحمل تكاليف ونفقات الزواج. هكذا ستحل أزمة شريحة مجتمعية مكونة من ألف شاب وشابة.
بعد زواجه جرت السيول في المنطقة الغربية وفاضت شوارعها بسبب سوء التنظيم والتخطيط والفساد كعادتنا كل عام، وفاضت معها هموم إحدى العائلات. فقد غرق منها الأب وأبناؤه الثلاثة دفعة واحدة وعاش بقية أفرادها في حسرة على المفقودين. لتتوالى المصائب والنكبات على مشروع اسمه المواطن العربي. عبد العزيز بن فهد تكفل بتلك العائلة ودفع لهم مبلغاً ضخماً، المبلغ لن يعيد الغائبين وسط السيول لكنه سينقذ أما وأسرتها من الضياع بين ويلات الحياة بعد ذهاب زوجها ومعيلها.
جزء من ثروة الأمير الشاب مخصص ليوزع على المحتاجين والفقراء والمعوزين. عدد من المشاريع لبناء وحدات سكنية للفقراء على طول المملكة وعرضها ومشاريع جديدة لحفر آبار مياه في منطقة المدينة المنورة.
مكانته وأسرته تبعث على الاعتقاد بأنه يعيش في أبراج عاجية ولا يدري عما يحدث في الطبقات الدنيا من البرج، لكنه يعي ويعلم كل شيء عن الجوع وعن الفقر ومآسي المواطن البسيط.
الوسيم الشهير الذي تمنته الأكثرية الحالمة من الفتيات، الشاب الأسطورة بالنسبة لشابات جيله. مظهره لا يوحي بأي حياة ملكية متكبرة، إذ يظهر بملابس بسيطة لا تفرقه عن أي فرد في المجتمع لكنها بلا شك تقربه من الناس، يتعمد مخالطة المثقفين وفئات مختلفة من الناس ويتعمد البحث عن كل فقير ومساعدة من يصادف من المحتاجين. هذا ما لحظته فيه.
وهذا ما نتمنى ملاحظته في أثرياء العرب الذين ينامون ولا يعرفون شيئا عن البقية المستيقظة في انتظار الفراش والغذاء ولسا الدنيا بخير.
كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com