الخطأ من طبيعة البشر، وقد يصدر من فرد أو جماعة أو دولة، ومنه ما يكون بصورة غير مقصودة، وقد يقع بشكل متعمد، وفي جميع الحالات تظهر معادن الرجال في البحث عن أفضل السبل لعلاج آثار ذلك الخطأ، والتي يعتبر الاعتذار في مقدمتها.
فالاعتذار من علامات سمو الأخلاق، يرفع من قدر صاحبه ويعلي مكانته بين الناس، يقول ديل كارنيجي في كتابه كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء: «إذا عرفنا أننا مخطئون فلم لا نسبق الشخص الآخر إلى التسليم بذلك؟ أليس من الأفضل أن نكون نحن من نوجه النقد لأنفسنا بدل أن يوجهه لنا الشخص الآخر؟»، ويقول: «كل انسان يستطيع الدفاع عن أخطائه، وأما أن تسلم بأخطائك فهذا هو سبيلك إلى الارتفاع فوق درجات الناس وإلى الإحساس بالرقي والسمو».
في غزوة بدر كان النبي عليه الصلاة والسلام يعدل صفوف الجيش قبل المعركة، وكان الصحابي سواد بن غزية متقدماً على الصف، فدفعه صلى الله عليه وسلم في بطنه بقدح كانت في يده، وقال: «استو يا سواد»، فقال: «يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق فأقدني- أي أعطني حقي-»، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ثم قال استقد. فما كان من سواد إلا أن اعتنقه وقبل بطنه، فقال عليه الصلاة والسلام: ما حملك على هذا يا سواد فقال يا رسول الله حضر ما ترى فلم آمن القتل فأردت أن يكون آخر العهد في الدنيا أن يمس جلدي جلدك، وبهذا التعامل الراقي استطاع رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كسب قلوب الصحابة، ما جعلهم يقدمون أرواحهم رخيصة فداء له.
نحن في أمس الحاجة إلى الاقتداء بسيرة خير البشر حيث يقول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، فإن كان عليه الصلاة والسلام قد أتاح الفرصة لأحد أصحابه كي يأخذ حقه منه فمن باب أولى أن يفعل ذلك من هو أدنى منه في المنزلة.
إننا اليوم نعيش أزمة ما بعد استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء، ومع التهديد بالتصعيد واللجوء إلى الشارع والاعتصامات والمسيرات إلى آخرها، فباعتقادي أن مما يساهم في تخفيف وتيرة الصراع ويساعد على حل الأزمات هو الاعتذار عما صدر من ممارسات انتهكت من خلالها كرامة الناس، ولا يشترط أن يكون سمو الرئيس هو من أصدر الأوامر، فإننا أحيانا نعتذر للآخرين عن تصرفات قام بها أبناؤنا ونحن غير راضين عنها، لكن ذلك الاعتذار يطيب خاطر الطرف الآخر ويخفف من عداوته بل ربما جعله يرد التحية بأحسن منها، ويقابل الاعتذار بالتنازل والغفران يقول الله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، فهل تفعلها الحكومة؟


عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com