الدروس الخصوصية استشرت في كويتنا الغالية على نحو لم يسبق له مثيل تحت ظل نظم التعليم الحديثة، ولا سيما بالصف العاشر والحادي عشر، وأن المشكلة تضخمت خلال العامين المنصرمين، وقد شملت جميع مراحل التعليم. وفي تصوري ان التعامل مع مشكلة تفشي الدروس الخصوصية على النحو الذي ننتهجه حالياً يشبه محاولة الإمساك بالحية الرقطاء من ذيلها وترك الرأس تنفث سمومها بلا ضابط! في السابق كانت وزارة التربية تتبع نظاماً مدروساً ومراقبة على المناهج وتطور المدرسين عن طريق دورات تأهيلية وتختار القياديين على حسب الكفاءة فقط، ولا تلتفت إلى الواسطات، مهما كان صاحب الواسطة بمعايير محددة وواضحة ودقيقة وصارمة. لكننا نجد حالياً تسيباً وفوضى عارمة، وضعفاً في التدريس والمناهج، وغياب المرجعيات العلمية والسلطة التنفيذية والتشريعية عن هذا الخلل ومحاولة علاجه أو الحد منه، وظهرت مشاكل كثيرة في التعليم والتربية في المدارس والجامعات، ومنها الدروس الخصوصية، وهي القاعدة التي لا تشد عنها سوى القلة القليلة من التلاميذ والطلاب، وغالباً ما يكون ذلك لضيق ذات اليد، وليس لسبب اقتناعهم بعدم جدواها.في تقديري إننا بحاجة إلى وقفة صادقة مع النفس قبل أن نحكم بتجريم أعضاء هيئة التدريس لإخواننا العرب في الدروس الخصوصية، أو نعيب على الطلاب والتلاميذ الذين يجدون فيها طوق النجاة وسر التفوق. ولعل دفن الرؤوس في الرمال وتجاهل الحقائق الدامغة لن يجدي في مواجهة هذه المشكلة المعقدة، وكذلك لن يجدي أسلوب السبات العميق وعدم الاكتراث في هذه المشكلات الحيوية التي تهدد مستقبل أبنائنا والتعليم، والتي بدأت تشكل كارثة تتطلب من المعنيين قراءتها بتمعن وبحس وطني! علينا أن نبحث الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية على هذا النحو الخطير حتى يمكن التصدي لها، ذلك لأن أي محاولة للعلاج من دون اجتثاث الأسباب محكوم عليها بالفشل الذريع، فقد يساعد قرص الأسبرين على تخفيف الصداع الناجم عن ورم بالمخ، لكنه بالقطع لن يستأصل الورم، بل إنه قد يخدعنا ويصرفنا عن معالجة السبب الكامن وراء الصداع! ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية ما يلي:1 - المدارس الخاصة قامت بتوظيف مدرسين أكثر من الحاجة، وجعلتهم الظروف يلجأون إلى الدروس الخصوصية.2 - المجلات الإعلانية التي تساعد على ظاهرة الدروس الخصوصية مع غياب لوزارة التربية والتعليم عن رقابتها وتوبيخ المعلمين أصحاب التلفونات الموجودة فيها.3 - الطمع والجشع للربح الكبير الذي يتراوح شهرياً أكثر من ألف دينار، وتتراوح قيمة الساعة من خمسة دنانير إلى خمسة عشر ديناراً، ويستغل بعض المدرسين التلاميذ في الفصول، وينصرف العديدون من المعلمين عن أداء واجباتهم الأصلية تجاه تلاميذهم.4 - ضعف مستوى العديدين من المعلمين وأعضاء هيئة التدريس وافتقارهم إلى موهبة التدريس، مما يلجأ الطلاب إلى التماس التعليم لدى معلمين قادرين على إفهامهم.5 - سوء مستوى كتب الوزارة على نحو يجعل مكانها الطبيعي سلة المهملات، وهو ما يدفع التلاميذ إلى اللجوء إلى الكتب الخارجية التي أعدتها نخبة من المعلمين في التأليف وتنظيم المعلومات وعرضها على نحو يسهل فهمه.وفي هذا الصدد أتمنى ألا نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا، فلدي أسماء العشرات من الطلاب، أبناء النخبة، يعتمدون على الدروس الخصوصية شأنهم شأن الآلاف من أبناء الشعب الكادح والذي أصبح يدخر من قوت يومه لإعطاء الدروس الخصوصية لأبنائه، حتى لا يكونوا أقل من نظرائهم في هذا المضمار التنافسي الشرس!فهل نخرج رؤوسنا من الرمال ونواجه الموقف بشجاعة؟

فيصل فالح السبيعي

محامٍ ومستشار قانوني في جمعية الصحافيين