ذكرت رئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو، التي اغتيلت في ديسمبر الماضي، في مذكراتها، أن هناك أربع مجموعات انتحارية كانت تنوي إرسال إرهابيين لقتلها بأي وسيلة، ومن بين هؤلاء المتآمرين على قتلها أحد عناصر تنظيم «القاعدة»، والزعيم الإرهابي الباكستاني بيت الله محسود، الذي تشتبه السلطات الباكستانية بأنه أحد مدبري اغتيالها، وقد أبلغت بوتو قبل عودتها إلى باكستان حكومة برويز مشرف بالمعلومات التي تملكها، مؤكدة أنها صحيحة لا جدال فيها، ولكن الرئيس مشرف كانت ردة فعله بطيئة ولم يعرها انتباها، بسبب الضغوط الشعبية في البلاد وظهور أسراب من المعارضة ضده، فالإرهابيون المخططون لقتل الزعيمة بوتو كانوا يتمركزون في أماكن محددة، ما بين بيت الله محسود، وأحد عناصر «القاعدة»، بالإضافة إلى مجموعات إرهابية أخرى كانت تتمركز في كراتشي، هذا وقد عبرت الزعيمة بوتو في مذكراتها عن أسفها لضعف حكومة مشرف التي لم تهتم ولم تقدم لها الحماية اللازمة من الأعداء والإرهابيين، وذلك لأن أنصار مشرف في واد والضحية بوتو في واد آخر، لذا ليس غريباً بعد هذا الحادث الأليم أن تعاني حكومة الرئيس مشرف من حالة الفلتان الأمني وعدم الاستقرار، مع فقدان عناصر كبيرة من قوات الأمن الباكستانية منذ مقتل الزعيمة المناضلة بوتو. إن غياب هيبة الحكومة وضعف القوة والمعنويات العسكرية هي السبب الرئيسي لحالة الفلتان الأمني الذي تعاني منه المناطق الحدودية في البلاد، الأمر الذي أعطى فرصة ذهبية للمتشددين التابعين لحركة المجاهدين لإعادة هيكلة قواهم وتوحيد صفوفهم وتسليحهم من جديد، بمساعدة تنظيم «القاعدة»، للدخول في صراع عسكري مع قوات الأمن الباكستانية، عن طريق شن هجمات انتحارية عنيفة في مناطق عدة بالبلاد إلى أن وصلت إلى المدن الرئيسية، فلم تنفع اتفاقيات السلام التي أبرمتها الحكومة مع المتشددين في المناطق الحدودية، والأمر يرجع بالطبع إلى السياسات الحكومية الفاشلة المتبعة في الأعوام الأخيرة، والتي ساهمت في زيادة عدد المتشددين، وانتشار العنف وهو ما أدى إلى تغيير كبير في طبيعة الأوضاع الأمنية، خصوصاً في مناطق وادي سوات في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، وفي النفق القريب من بيشاور، وبذلك إن لم تتدخل الحكومة وتتوغل بعمق داخل هذه الأراضي لطرد هؤلاء المتشددين والميليشيات الإرهابية فلن تستطيع القضاء على الإرهاب لإنهاء حالة لتمرد داخل البلاد. هناك توقعات كثيرة عن إثارة أعمال شغب وعنف قبل فترة الانتخابات العامة وبعدها، أو ربما تحدث يوم 18 فبراير الجاري، والحكومة حتى يومنا هذا لم تستعد بشكل كامل لمواجهة أعمال العنف المحتملة في البلاد، والسؤال هنا: لماذا تفشل جهات التحقيق في القبض على أي من مدبري الهجمات الانتحارية داخل باكستان؟ هل بسبب رغبة الحكومة في استمرار هذه النوعية من الحالات، أم بسبب انتشار الفساد والرشوة داخل أجهزة الحكومة؟ إن الوضع المتأزم في باكستان يجعل المعارضين يعيشون في خوف ورهبة داخل باكستان ولا يعرفون إن كان مصيرهم سوف يكون مماثلاً لما حدث للضحية بنازير بوتو، آلاف من الباكستانيين يحتشدون أمام قبر الضحية بوتو لإحياء الذكرى الأربعين لرحيلها، وهم في حسرة من أمرهم، وفي الوقت نفسه تعلن أجهزة الأمن الباكستانية أنها ألقت القبض على شخصين إرهابيين في روالبندي، يشتبه بأنهما شاركا في العملية الانتحارية التي أودت بحياة رئيسة الوزراء السابقة، حتى تمتص غضب الشارع الباكستاني عند إحياء ذكراها، ترى هل بإمكان قوات الأمن الباكستانية أن تفعل شيئا لبنازير بوتو في ظل وجود تحقيق دولي من المباحث الجنائية «اسكوتلاند يارد»؟ رغم ازدواجية العمل في التحقيق المتعلق باغتيال الزعيمة بوتو والذي يشارك فيه الطرفان (البريطاني والباكستاني)، في عملية الاستنتاجات للتقرير النهائي، إلا أن كثيرين من المعارضين لديهم تحفظ كبير نحو نتائج التحقيق، وكان أحدهم «حزب الشعب» الذي لم يقتنع بنتائج تقرير شرطة «اسكوتلاند يارد» البريطاني وقام برفضه بشدة كونه يؤكد أن الضحية بوتو قتلت بضغط الانفجار في يوم 27 ديسمبر الماضي وليس بالرصاص، وهي استنتاجات قد تدخل الحكومة في جدل كبير، ومن الصعب جداً إقناع أحزاب المعارضة بتصديق وقائع التقرير الذي قد يكون مغايراً لاستنتاجاتهم الواقعية، فقد أكدوا أكثر من مرة أن بوتو قضت نحبها برصاصة قاتل إرهابي. وعلى أي حال، تبقى الرصاصات الثلاث التي أطلقها الإرهابي المجهول والانتحاري على عناصر المعارضة وعلى شخص بنازير بوتو موضع شك، هل أصابتها أم لم تصبها؟ ففي النهاية هي مع الذين ماتوا من شدة الانفجار المدمر رغم امتلاكها سيارة مصفحة! يتعهد الرئيس برويز مشرف على اقتلاع الإرهاب بالقوة من جديد، مشيراً إلى أن الوسائل السياسية غير فعالة، ويقول للشعب: «يجب أن نكسر ظهر الإرهاب والتطرف، والعمل على المحافظة على الاقتصاد من أجل جعل باكستان أقوى». غير أن العملية السياسية والعسكرية التي ينفذها وتنفذها قواته الباكستانية ضد جموع المتطرفين أصبحت غير فاعلة، وغير ناجحة بعد تزايد هذه الميليشيات الإرهابية بشكل غير طبيعي، فإذاً أين شعار «باكستان أولاً» حتى لو كلفه ذلك شعبيته!هناك دعوات شعبية وعسكرية عن طريق معارضين وضباط جيش سابقين يقومون بحركة مناهضة للرئيس مشرف تطالبه بالتنحي من منصبه في ظل هذه الأوضاع، مع وجود تكهنات بالغرب من أن مشرف ربما يخسر مع الأيام دعم الجيش له عقب استقالته من منصبه العسكري كقائد للجيش في نوفمبر العام الماضي، وهو ما يعتبر ضربة سياسية وشعبية موجعة قبل فترة الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويقول الرئيس مشرف بأنه سيستقيل من منصبه إذا ما كان غالبية الشعب الباكستاني لا تريده: «...وفي اليوم الذي ستكون لدي القناعة بأن غالبية الباكستانيين لا يريدونني أكثر من ذلك، فإنني لن أتردد لحظة وسأرحل». يا للعجب، هل يعقل أن الرئيس مشرف لا يعلم ما يدور حوله من اعتداءات وزعزعة في عمق الأمن الباكستاني داخل الأراضي الباكستانية! لقد صرح الرئيس مشرف بعد الأحداث الأخيرة التي جرت على مدار الأشهر الماضية لمجلة «دير شبيغل» الألمانية أن الاستقالة ستكون أسهل الخيارات، وأنه يحب لعب الغولف والبريدج والتنس، لكن ليس لديه وقت لممارسة ذلك! ماذا نقول رداً على ما يقول سوى «روح إلعب رياضة، وانسَ السياسة يا سعادة الرئيس»! ولكل حادث حديث.
علي محمد الفيروز
كاتب وناشط سياسي كويتي