سئل آنشتاين ذات مرة عن الفرق بينه وبين الإنسان العادي فقال: إذا طلبت من الإنسان العادي أن يحاول العثور على إبرة في كومة قش، فسيتوقف ذلك الشخص عن البحث حين يعثر على الإبرة، أما أنا فسأقفز على كومة القش بحثاً عن الإبرة المحتملة. «انتهى كلامه»، لا بد أن يكون هذا هو حال النخبة من الشعب الكويتي أن يكونوا أناساً غير عاديين والحق إنهم يظلون في حالة مستمرة من الأمل بالعثور على شيء جديد من حلول وعلاجات وآليات للمشكلات اليومية، فضلا عن الأزمات والملمات.
نعم هكذا علينا أن نفعل في خضم الأحداث الموجعة التي تمر بها البلاد التي أعيت وعلت الطفل الرضيع قبل الشاب اليافع، علينا أن نقفز فوق الأحداث نبحث وننقب عن الحلول والعلاجات المحتملة التي تنقذ وتخرج البلاد مما فيه، وحتى نستطيع أن نرى الأشياء على حقيقتها وإن كانت مؤلمة، وذلك بوضع الأحداث والمواقف تحت المجهر المغربل ذات العدسة المفلترة والشفافة والواضحة والمكبرة للحدث الدقيق الصغير قبل الجليل الكبير، وعلينا أن ندرك أن طريق البحث والتقصي عن الحقائق طريق ومنهج غليظ وخشن يحتاج إلى تفانٍ وإلى تسخير كل طاقاتنا وإمكاناتنا وقدراتنا بالغالي والنفيس من أجل إخراج الوطن من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه، ولا بد أن نضع نصب أعيننا عدة اعتبارات منها طاعة ولي الأمر والشأن الإنساني للأفراد المعنيين بما يحدث ويقال ويتداول بين الناس، واحترام مكانة الأشخاص وموقعهم من الإعراب في البلد ورأي الآخرين مهما اختلفت الآراء وتباينت.
لماذا لا نمتلك أذهاناً بارعة وصبراً سرمدياً؟ ونوسع دائرة الاهتمام والارتقاء بشتى مناحي الحياة التي تفيد البلاد والعباد، ونرتقي بلغة الخطاب والحوار حتى نتواءم ونتوافق وننسجم مع بعضنا البعض في ما هو مشترك بيننا من قواسم، ولماذا لا نشرف ونرقى بملاحظاتنا النقدية؟ حتى ننتج ونصنع بعض الأفكار والمفاهيم ذات الطابع التقني والعلاجي والمتصلة بتطوير الواقع واستشراف المستقبل حتى نتجاوز الأزمات والصدمات، التي نتعرض لها بشكل يومي ونخرج أنفسنا من عنق الزجاجة.
على ما أظن أن النخبة والصفوة من عقلاء وحكماء الشعب الكويتي لديهم القدرة الفائقة على عبور جسر الصدمات بأقلامهم وألسنتهم، للوصول إلى عقول وقلوب الناس وتنويرهم وتثقيفهم بما يحدث ويدور في البلد، وذلك عن طريق التضحية بالكثير من مصالحهم كمواطنين مثقفين أو سياسيين أو مفكرين وقادة رأي من أجل الجهر بآرائهم وأفكارهم وملاحظاتهم لحل المشكلات المعرفية والعلمية والسياسية، التي تواجه البلد وللوصول إلى نهاية الأزمات وبداية الانجازات للارتقاء بالبلد في شتى المجالات والخدمات، وباعتقادي المسؤولية على عاتق المثقفين والمفكرين وقادة الرأي أكبر وأرفع من أي شخص عادي بسيط لا يملك رؤية عميقة للأحداث. بل نجد صنفاً من الأشخاص يحاولون إثارة المزيد من المشكلات وكشف جم وافر من التناقضات في الحياة العامة التي تضر وتعارض مصالح البلاد.
لماذا لا نقرأ الماضي قراءة عميقة غزيرة لفهم الحاضر واكتشاف المستقبل؟ بتحديد المشكلات الراهنة ونقوم بنقدها ومحاولة العثور على حلول لها، تقوم على أسس إصلاحية مبنية على المعطيات التي حصلنا عليها من جراء الأحداث المثيرة التي حصلت لإصلاح الواقع وتشخيص الأزمات التي يعاني منها المجتمع برمته. وعلينا أن نتجرد من الأنانية ونتحلى بخلق الإنصاف ونُحّكم المعايير الإنسانية والشرعية في إصدار أحكامنا على الأشخاص والأحداث.
إن الأمم ترتقي بالنماذج والقدوات فأين نحن من هذه النماذج؟ التي حملت كل المعاني النبيلة مثل الإخلاص والحب والوفاء والتضحية والحنين من أجل الكويت، ومن أجل كرامة الإنسان الكويتي بعيدة كل البعد عن معاني الاستحواذ والانتفاع والمتاجرة بروح وجسد الفرد الكويتي، حتى يُغذى وينمى في بيئة صحية تهيئ وتساعد المواطن الكويتي أن ينشأ ويتربى على المعاني السامية التي من أجلها يضحي بالغالي والنفيس للعيش بعز وكرامة ورفعة في بلد العز.


منى فهد الوهيب
m.alwohaib@gmail.com