| كتب عبدالله راشد |
أكدت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ضرورة السمع والطاعة لولي الامر خصوصا عند ظهور أي بوادر للفتن.
وضمنت الوزارة في خطبة الجمعة المتلفزة والمذاعة لهذا الاسبوع بعض القيم والمفاهيم التي يجب تحلي المواطن بها حيث جاء في الخطبة «ان مما ينبغي التأكيد عليه والتذكير به، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة، وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، إذ هو أصل من أصول العقيدة الصحيحة، فلا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وقد كان السلف يولون هذا الأمر اهتماما خاصا نظرا لما يترتب على إغفاله أو الجهل به من الفساد العريض في العباد والبلاد».
وتوضح الخطبة أن «سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته ولا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا يسمع له مطلقا في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقا إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة».
وتؤكد الخطبة «وجوب طاعة ولاة الأمور في ما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية في حالتي الرضا والسخط والعسر واليسر والخير والشر»، مبينة ان «سلف هذه الأمة كانوا يدركون هذا الأصل العظيم، ويطبقون هذا المنهج القويم مع ولاة أمر المسلمين».
وفي ما يلي نص الخطبة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا). (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
معاشر المسلمين، ما من أمة من الأمم إلا وتطمح لنيل المعالي والمجد، وترنو إلى مدارج العز والسؤدد، تبذل قصارى جهدها، وتقدم أرواحها وأموالها أثمانا لتحقيق أمنياتها، ولتصل إلى تطلعاتها في الوحدة والتماسك والتعاون والتكاتف. ولقد كانت أمة الإسلام مثالا يحتذى،وأملا يرتجى لكل شعب من الشعوب، التي ترغب في العيش الكريم، وتسمو إلى تحقيق أهدافها في الحضارة والبناء، إذ كانت أمة الإسلام متمسكة بكتاب ربها ذي الجلال والإكرام، ومقتفية هدي نبيها عليه الصلاة والسلام، قامت على عقيدة صحيحة، وأعمال صالحة وصدق في الأقوال والأعمال، وإخلاص في النيات والأفعال. انضوى تحت رايتها الرومي والحبشي، وتآخى في ظلالها العربي والفارسي مستجيبين لأمر ربهم عزوجل (إنما المؤمنون إخوة).
معاشر المؤمنين، لقد أحاط الإسلام المجتمع المسلم بسياج منيع من داخله، يحول دون تصدع بنيانه وتزعزع أركانه، فأقام الضمانات الواقية، والحصانات الكافية، الحائلة دون معاول الهدم والتخريب أن تتسلل إلى جبهته الداخلية، فتعمل عملها هدما وتخريبا، وفرقة وتأليبا، وطالب أهل الإسلام أن يرعوا حق الإيمان والأخوة، وأن يصلحوا ذات بينهم، وأن يحفظوا ألسنتهم من الوقيعة في أعراض المؤمنين، وأن يقفوا سدا منيعا أمام الجرائم المدمرة، والأمراض الاجتماعية الفتاكة التي تأتي على بنيان المجتمع من القواعد، وتحوله إلى مجتمع صراع دائم، وتفكك مستمر، وإحن متكاثرة وفئات متناحرة، وويل للمجتمع يومئذ من أعدائه المتفرجين من بعد، حيث سيكون لقمة سائغة لهم.
أيها الأحبة، إن مما ينبغي التأكيد عليه والتذكير به، ولا سيما عند ظهور بوادر الفتنة، وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، إذ هو أصل من أصول العقيدة الصحيحة، فلا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وقد كان السلف يولون هذا الأمر اهتماما خاصا نظرا لما يترتب على إغفاله أو الجهل به من الفساد العريض في العباد والبلاد.
عباد الله، يقول الحق سبحانه (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
قال بن عطية في تفسير هذه الآية : «إن الخطاب موجه إلى الرعية فأمر بطاعته عز وجل وهي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله وطاعة الأمراء». وقال النووي رحمه الله تعالى: «المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم».
فالآية دالة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله عز وجل، كما أشارت إلى ذلك السنة الشريفة. فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». وهذا يعني أن سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». ولا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا يسمع له مطلقا في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقا إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة.
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك». أي تجب عليك طاعة ولاة الأمور في ما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية في حالتي الرضا والسخط والعسر واليسر والخير والشر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن ظلمك (أي ولي الأمر) فاصبر، وإن حرمك فاصبر» وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اصبر وإن كان عبدا حبشيا» وعن بعض السلف: «اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك».
معاشر المؤمين، إن سلف هذه الأمة كانوا يدركون هذا الأصل العظيم، ويطبقون هذا المنهج القويم مع ولاة أمر المسلمين، فهذا الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رحمه الله يعذب في الله ويسجن ويضرب ليقول بخلق القرآن وهو خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة إذ إن القرآن هو كلام الله ليس بمخلوق والكلام صفة من صفات الله عز وجل حتى جاءت المعتزلة وقالت بخلق القرآن، واعتقد خليفة المسلمين آنذاك بهذه العقيدة واختبر الناس عليها ومع ما جرى للإمام أحمد بن حنبل، فعندما جاءه نفر من فقهاء بغداد وشاوروه في ترك الرضا بإمرة الواثق (الخليفة آنذاك) وسلطانه الذي أظهر القول بخلق القرآن ودعا إليه وأمر بتدريسه للصبيان في الكتاتيب وقرب من القضاة وغيرهم من قال به وعزل وأبعد من خالفه، فأنكر عليهم الإمام أحمد وأكثر من نهيهم عن ذلك وقال: «لا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا...» وقال رحمه الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن وليت أمره فاصبر».
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي عاش في زمن كانت السلطة فيه لديها قصور وتقصير بين، بل أنه رحمه الله أوذي من قبل السلطة بسبب تقريره ونشره لعقيدة أهل السنة والجماعة ورده على الفرق الضالة، وسجن بسبب ذلك مرارا حتى مات محبوسا بقلعة دمشق. ومع ذلك كان شديد التحذير من الخروج على الولاة ونزع اليد من الطاعة فقال رحمه الله: «ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم من دون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفساد بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته».
فإن كان هذا شأن العلماء مع من خالفوهم من الولاة في مسائل الدين والشرع فكيف بحالنا اليوم ونحن نتعامل مع قضايا دون المعتقدات والمسائل الشرعية؟
عباد الله، إن الحكمة في الأمر بطاعة ولي الأمر عظيمة، فبطاعته تتفق الكلمة، وبمعصيته تتفرق، وكما أن طاعته فيها مصلحة الدين والدنيا فإن في مخالفته فساد الدين والدنيا، وكما أن الله سبحانه قد أمر بطاعة الأمراء والولاة أمر كذلك بالنصح لهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله. قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «وأما النصيحة لأئمة المسلمين : فحب صلاحهم، ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل».
ومن النصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، وإسداء المشورة النافعة لهم ودعوتهم إلى الخير وتنبيههم على الخطأ، والدعاء لهم بالصلاح والإصلاح، والاستقامة والتسديد في الأمر، فإن الدعاء لهم من أعظم النصحية وهو دأب السلف الصالح. يقول الفضيل بن عياض: «لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان». ونقل مثل ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وحوب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفورا.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة لعباده المتقين، ولا عدوان إلا على القوم الظالمين، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله - عباد الله - واعملوا بطاعته ورضاه فإن الله ينصر من توكل عليه، ويؤيد من لجأ إليه ويغيث من ناداه ويجيب المضطر إذا دعاه.
اعلموا أن وحدة الأمة أمانة في أعناقنا كما قال الحق سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ونحن مسؤولون عنها أمام الله : أحفظنا أم ضيعنا؟ فعلينا أن نعمل بجد وصدق، وإخلاص ومثابرة، لنعيش الإيمان الذي لا يعرف التردد، والوحدة التي لا تعرف التفرق، والشورى التي لا يخالطها استبداد، والتضامن الذي لا تلامسه أثرة، لنتعاون على البر والتقوى، ونتناه عن الإثم والمنكر والعدوان، ولنكن يدا على من سوانا : ديننا الإسلام، ومنهجنا القرآن وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتكن آمالنا مشتركة، وآلامنا مقتسمة. ليعطف فينا الغني على الفقير، ولينصر القوي منا الضعيف، وليرحم كبيرنا صغيرنا، وليوقر صغيرنا كبيرنا، ولنجتمع على كلمة الحق وننبذ ما دونها من الباطل، لتجمعنا أخوة الإسلام، وتربطنا رابطة الرحم والقرابة، وتقودنا الأخلاق الكريمة :(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [الأنبياء:92]. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم : قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» [رواه مسلم وأحمد واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
يجب على الجميع أن يوطد ويعمق معاني الوحدة والتماسك، كل يحرس هذه النعمة بحسب موقعه ومركزه وعلى الجميع أن يستشعر نعمة الأمن والأمان، والوحدة والتماسك، واعلموا أن من يسعى لنشر الفرقة بين الأمة فإنه يسعى لإضعاف العوامل التي ينبني عليها أساس الأمن والأمان، والوحدة والتماسك، واعلموا أن في الاجتماع البركة، وفي التفرق الضعف والخذلان، ويد الله مع الجماعة ومن شذ : شذ في النار.
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى، والصفي المجتبى كما أمركم ربكم جل وعلا فقال في محكم تنزيله وأصدق قيله : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم. ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحا ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم وحد قلوبنا واجمع على الخير كلمتنا وطهر ألسنتنا وأصلح ذات بيننا وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم وفق أميرنا وولي عهده لهداك، واجعل عملهما في رضاك. اللهم احفظهما بحفظك، واكلأهما برعايتك وألبسهما ثوب الصحة والعافية والإيمان، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.