سأوجه قلمي في هذا المقال إلى صنف من الناس في بلدي، رغم من كونه هو من جلدتنا وجنسنا، إلا أنه يلبس عباءة أفكار وقناعات متوافقة تماماً مع الصنف المغاير والمخالف لأصالتنا الشرعية، وهو الذي يستند بأحكامه وأفكاره وقناعاته إلى العقل، إذ يجعل له سلطاناً عظيماً من دون قواعد ومعايير تؤصل وتؤطّر ما يعتقد به من أحكام وشرائع ما أنزل الله بها من سلطان.
إن هذا الصنف من البشر له رؤية خاصة به بما يتعلق بالإنسان، وهذه الرؤية تعتمد في تحليلها على أن الإنسان كائن بيولوجي يصدر عنه سلوك مشروط بالرغبة في حفظ بقائه مثله مثل أي حيوان آخر، وقد قال الله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم»، لأنه يعتمد هذا الصنف في فلسفته على النتائج الظنية التقديرية، ومن منطلق هذه الفلسفة غير المنطقية يسعون لتشريع أحكام وقواعد تخالف وتضاد لأحكام الشريعة الإسلامية، وهم على علم ويقين بضعف وتفكك تلك الأحكام، لأنها من وحي الحس والرغبة والعقل القاصر في أدائه أمام أحكام وحجج وبراهين يعجز العقل في كثير من الأحيان عن تفسيرها وتحليلها.
لقد تجرأوا على ثوابت واضحة وأخذوا بتفتيتها إلى أصغر وحدات ممكنة حتى تصل إلى إلغاء هذا الحكم الشرعي المُنزَّل من آلاف الأعوام كالحجاب وتعدد الأزواج للنساء وغيرها، ولم يكتفوا بهذا بل أكثرهم يؤيدون القوانين الوضعية القاصرة حتى لو كانت هذه القوانين تخالف وتضاد الشريعة الإسلامية بل تعارض الأصول والجذور بحجة أنهم مع أي قانون يحقق مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين حتى لو كان هذا القانون يخالف شرع الله من الألف إلى الياء، ولكنهم تناسوا المساكين أن وعي الناس من متغيرات المجتمعات، فمن يؤيدك اليوم سيخالفك ويهاجمك غداً، ومن يصفق لك اليوم سوف يصفعك غداً، يريدون غربلة أحكام الدين بما تحكم رغباتهم وعقولهم المذمومة إن لم يحسنوا استخدامها بالشكل الصحيح الذي خُلقنا من أجله. في كثير من الأحيان هذا الصنف من الناس لا يستطيع وضع حدود فاصلة بين ما ينبغي من الثبات به على المبدأ والتمسك بالأصول وبين القهر الفكري المذموم المستوحى من الرغبة والحس والعقل، وبعد كل هذا التجرؤ على الله جاء الوقت للتجرؤ على حقوقنا كبشر، يدّعون أنهم يدافعون ويصونون حقوق الإنسان، وفي الواقع هم عكس هذه الحقوق تماماً، لأنهم يحيكون وبكل تعسّف لتغيير وتعديل بعض القوانين والمواد الدستورية المستمدة من الشريعة الإسلامية، وهذا يصوِّر الواقع المرير الذي نعيشه اليوم معهم به، إذ أصدروا قرارهم بمقترحات التعديل من دون استبيان أو استفتاء لشعب الكويت وأخذ رأي الأغلبية التي لم ولن توافقهم الرأي بهذا التعديل الذي ينسف مبدأ الكليات الخمس التي حفظها لنا الله في ديننا وهي: (حفظ الدين ـ المال ـ والنفس ـ والعرض ـ والعقل). أين أنتم من حفظ هذه الكليات، وأنتم استندتم إلى آرائكم وعقائدكم الباطلة بهذه المقترحات السقيمة التي لن ترى النور، ما دامت الشريحة الكبرى في البلاد متمسكة بالمحافظة على الأصول والثوابت والأساسيات، ونحن في حركة لا تهدأ في تطوير تنظيرنا وأطروحاتنا المستقاة من الشريعة الإسلامية، وفي تحسين الأطر والأساليب والأدوات التي تخدم أصول ديننا.
إلى قرائي الأعزاء... علينا أن نحفظ تضاريس طريق الخارطة الربانية والتي هي منهاج الأصول والثوابت حتى نتمكن من العودة إلى تحقيق مبتغانا، هذه الخارطة التي لن ولم تزل بزوال الأشخاص والأزمان، وحتى يتوافق واقعنا مع مبادئ شريعتنا ولا نهلك في متاهات ومطبات التقنين عند هؤلاء أصحاب الأفكار الدخيلة المشبوهة، والتي تستميت لطمس تضاريس الدين المؤصل للفطرة السليمة في سبيل تحقيق رغباتهم المفتتة المعرضة للزوال قريباً بإذن الله بزوال أصحابها.


منى فهد الوهيب
m.alwohaib@gmail.com