تصريح رئيس أساقفة كانتربري في بريطانيا الدكتور «روان ويليامز» بأنه يؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا، وأنه لا مفر من ذلك، أثار هذا التصريح ردود فعل كبيرة في بريطانيا، وهو أمر متوقع اذ ان البريطانيين بالرغم من النظام العلماني الذي يطبقونه في بلادهم وحجم التسامح الديني لديهم مقارنة ببقية البلدان الأوروبية، إلا أن تمسكهم بعقيدتهم النصرانية يظل هو الأساس، وتعتبر الكنيسة الانكليزية رمزاً من رموز بريطانيا، كذلك فإن ذلك التصريح بالنسبة للبريطانيين من أكبر رمز كنسي هو بمثابة إعلان إفلاس لأنظمتهم القائمة.وللأسف ان ردود الأفعال على تصريح الدكتور ويليامز لم تكن مبنية على مناقشة منطقية او تفنيد لكلامه، ولكنها كانت ردات فعل عنيفة من سياسيين قارنوا فيها ما بين الشريعة الإسلامية والقانون البريطاني، فقال الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني «غوردن براون» بأن قانون الشريعة الإسلامية لا يمكن استخدامه مطلقاً لتبرير خرق القانون البريطاني.ووجه المغالطة في ذلك الكلام هو أن رئيس الاساقفة لم يطالب بتطبيق جميع الشريعة الإسلامية ولكن قسم من قانون الشريعة يتعلق بالأحكام المدنية، وبرر ذلك بقوله بأن ذلك «يمكن ان يساعد في التماسك الاجتماعي»، كما استبعد ويليامز تطبيق نظام العقوبات الإسلامية، ومع هذا فإن اعتبار ذلك خرقاً للقانون البريطاني، كما قال براون هو تهويل في غير محله، إذ ان الشريعة الإسلامية تقوم على مبادئ الأخلاق والعدل والمساواة المطلقة وهي غاية جميع القوانين الوضعية ولا يمكن ان تتصادم معها، كما قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله بأنك لن تجد أمراً فيه رحمة وعدل ومساواة الا فثم شرع الله (أي أنه جزء من الشرع). وقد سمعت بأن ويليامز قد عدل من قوله في تحقيق لمحطة الـ BBC، هذا يذكرني بقصة أبي سفيان رضي الله عنه عندما دخل على هرقل الروم فسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن صفاته، ثم قال: «لئن كنت صدقتني ليغلبن على ما تحت قدمي هاتين، ولوددت آتي عنده فأغسل عن قدميه»، وفي رواية أن هرقل قال لقومه «إنه النبي الذي ينتظر لاشك فيه فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم، فنخروا نخرة رجل واحد (أي غضبوا عليه)، فقال: إنما قلت لكم هذه المقالة أختبركم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم»، أي انه تراجع تحت الضغوط.إن كثيراً من قيادات الغرب يدركون حقيقة هذا الدين ويعلمون بأن فيه الحل لمعظم مشكلاتهم الدنيوية، فإذا علمنا بأن في بريطانيا 50 في المئة من المواليد من غير آباء شرعيين وأن مشكلاتهم الاجتماعية لا تعد ولا تحصى، لعلمنا حقيقة ما ذكره الأسقف.يقول المؤرخ الغربي «غوستاف لوبون»: «نؤكد الآن ان تأثير العرب الإسلامي على الغرب عظيم جداً، وأوروبا مدينة للعرب بحضارتها، يتصفون بروح المساواة المطلقة وفقاً لنظمهم السياسية، وإن مبدأ المساواة الذي أعلن في اوروبا قولاً لا فعلاً، راسخ في طبائع العرب رسوخاً تاماً، وأنه لا عهد للمسلمين بتلك الطبقات الاجتماعية التي ادى وجودها إلى أعنف الثورات في الغرب».أما ارنولد توينبي المؤرخ العالمي الشهير فيقول: «صحيح ان الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب ان نضع في حسابنا ان النائم قد يستيقظ وهكذا، فإن الوضع الدولي الراهن إذا سبب حرباً عنصرية، يمكن للإسلام حينئذ ان يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة اخرى، وأرجو الا يتحقق ذلك».
د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com