قرأنا عن فضائح وزارة الداخلية، الصحة، الكهرباء، النفط، البلدية والأشغال، التربية وغيرها من مؤسسات الدولة والغريب في الأمر أن بعضها يأتي بـ «قرار من فوق» أو بـ «إيعاز/ توجيه من فوق»... فما هي ثقافة «قرار من فوق هذه»؟!
قد يرى البعض انها جديدة ونحن نراها من واقع التجربة قديمة فهي ثقافة امتدت لعقود ولكنها كانت «مستورة» حتى ظهر لنا وزير النفط والإعلام، وبعده وزير الداخلية، ليعلناها صراحة ونحن هنا سنتطرق لها من باب النصيحة فقط وهو واجب وطني صرف يمليه علينا الضمير!
الثقافة بمفهومها العام سلوك يمتد من القيم والمعتقدات التي ترسمها العائلة الصغيرة وتتغير من خلال المراحل العمرية حتى أن تصبح مرتبطة بالسلوك الجماعي عند انخراط الفرد بالعمل المؤسسي!
في العائلة تجد الأب رب الأسرة هو المعيار الرئيسي فهو والأم من يغرسان تلك القيم والمعتقدات في فكر الابن/البنت، وبالرغم من المثل القائل «النار ما تورث إلا الرماد» نراه متمثلاً أمامنا حيث تغيرت القيم والمعرفة والمتعقدات وصار السلوك السيئ هو المتبع... ألا أننا نرى أننا أمام سلوك جماعي منبوذ لم تتم معالجته بالشكل المطلوب بدءأ من العائلة وانتهاء بمن يصدر القرارات من فوق مروراً بضياع هوية العمل في المؤسسة الاحترافية التي لا تجد لمثل تلك القرارات أي مدخل لها!
وهل كل مسؤول يستطيع رفض تنفيذ قرار خاطئ يمليه عليه مسؤوله الكبير، وما نتيجة الرفض؟
إنني متأكد أنه لو تم رفض بعض المسؤولين لقرارات خاطئة تأتيهم من فوق لارتفعت نسبة البطالة عندنا وجلس كل مسؤول صالح في بيته مع أولاده: فمن سيعيلهم بعد تنفيذهم لقناعاتهم الصالحة النابعة من ثقافتهم التي لا تقبل الخطأ!
إن كنا نريد الصلاح للأمة فعلينا الاتسام بالشفافية، والبحث في مسببات خروج «قرارات من فوق» هذه التي دمرت بيئتنا وصار الفرد حتى وإن ترعرع واستقى المعارف والخبرة الطيبة من بيئة صالحة مضطراً لتغيير قناعاته خوفاً على «لقمة العيش»!
عادة «من فوق» تعني تلك السلطة الخفية التي تؤثر في مجريات الأمور ولها نظرة ثاقبة صالحة أما إن كانت مخالفة لنصوص القانون وروحه فلا شك انها مفسدة للعمل المؤسسي!
على أي حال، من البيت ننشأ وتتبلور قيمنا ومعتقداتنا التي ترسم ثقافتنا فيما بعد، وحري بنا معرفة ماذا يحصل خشية من وضع نجد معه الفساد الإداري عرفاً متبعاً قد يأخذ صفة القانون ويفرغه القانون الأصلي من محتواه!
إن الخطأ واضح يا سادة وسيدات المجتمع الكويتي... فلا تتعبوا أنفسكم فالقول المأثور «قل لمن لا يخلص لا تتعب» واضح تفسيره، فأي عمل بلا إخلاص لا فائدة مرجوة منه... فإن كان العمل مرضاة لرب العمل ورب الأسرة فسنجده عامل هدم للمؤسسة ويخرج لنا «الرماد من صلب النار» بمعنى يظهر لنا جيل منحرف في سلوكياته عن تلك التي يتميز بها جيل الآباء والأجداد!
إنها نظرة من وحي التجربة نعرضها لمن تبقى في فكره ذرة عقل يميز الصالح من الطالح يميز الغث من السمين يميز الحالة المعنوية لكل مسؤول صالح يصطدم بقرار خاطئ أثاره السلبية تظل باقية وتؤثر على جيل الحاضر وجيل المستقبل!
باختصار يقول المولى عز شأنه «وقفوهم إنهم مسؤولون»... فمن هو المسؤول عن تردي أوضاعنا، وظهور الفضيحة تلو الآخرى حتى على مستوى السلوك؟... الله المستعان!


تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki.alazmi@gmail.com