استغرب كثيرا من الناس لتوقيت تقديم ثلاثة أعضاء من التكتل الوطني مشروع قانون للتعليم المختلط في التعليم، ففسره البعض بأنه استثمار لفوز وزيرة التربية بثقة المجلس ومحاولة إثبات أن التيار الليبرالي هو صاحب الكلمة في القضايا التربوية، ومنهم من فسره بأنه محاولة لملمة التشقق الحاصل في التكتل الوطني وضعف شعبيته، بل اعتبر البعض بأن هنالك أبعادا أخرى مثل صرف الأنظار عن التحقيق في بعض القضايا مثل المدينة الإعلامية.ووجه الاستغراب هو ان نتيجة هذا المشروع محسومة سلفاً فالمجتمع الكويتي هو مجتمع محافظ متدين يقوم على الفصل في التعليم في جميع مراحل الدراسة منذ تأسيس البلاد، وأنه في غفلة من الزمن قام مدير جامعة الكويت الأسبق بالسماح باختلاط الجنسين، ثم قام مجلس الأمة بغالبية أعضائه تسانده الحكومة بتشريع قانون منع الاختلاط وما زال ساريا، كذلك فان تركيبة المجلس الحالية هي أشد محافظة ورفضا لاقرار ذلك المقترح وأتوقع بأن بقية أعضاء التكتل الوطني سيكونون من المعارضين كذلك.الحجج التي ساقها مقدمو الاقتراح هي تكرار ممل لشبهات أكل عليها الدهر وشرب لا ترتبط بالمصالح والمفاسد وإنما بالحديث عن أن الاختلاط موجود في العمل وفي الأسواق فلماذا فرضه على الطلبة؟! والجواب هو أن المرحلة العمرية للجامعة هي أخطر الفترات، كما أن العلاقة بين الناس في الأسواق وبين الموظفين في العمل تختلف عن علاقة الطالب بالطالبة في الجامعة، ومع هذا فاننا لا نوافق على الاختلاط المطلق غير المنضبط حتى خارج الجامعة.الشبهة الثانية: وهي القول بأن قانون الفصل يكلف الدولة ضعف ما تنفقه في حالة التعليم المختلط، وان الخبرات التدريسية المتميزة ستعزف عن القدوم إلى الكويت بسبب تكرار تدريس الطلاب والطالبات، والحقيقة هي أن البلد الذي يضع لنفسه أولويات لا يتوانى عن بذل الأموال في سبيل تحقيق تلك الأولويات، كما ان القول بأن الانفاق على التعليم سيتضاعف، هو قول مبالغ به اذ ان الأعداد الكبيرة من الطلاب والطالبات سيتوزعون على مجموعة من الفصول لكل مادة سواء أكان التعليم مفصولا أو مختلطا، وأتمنى أن يعطينا مقدمو الاقتراح اسما واحدا لكفاءة تدريسية ترفض التدريس ما لم يكن مختلطا، وها هو التعليم التطبيقي يضم ضعف عدد طلبة جامعة الكويت في فصل كامل من الجنسين منذ تأسيسه ولم يعان من تلك المشاكل التي يتوهمونها.الشبهة الثالثة: وهي قولهم بأن الاخلاق لا يحكمها فصل التعليم بل التربية والبيئة، وهو قول فلسفي سفسطائي، إذ ان التربية ليست مفهوما مجردا بل هي مرتبطة بالظروف التي ينشأ فيها الانسان، ولا يمكن لمن ينشأ في مجتمع مفرط في بعض الامور أن يكون عكس مجتمعه.ولعلنا نسأل مقدمي الاقتراح عن سبب غض النظر عن رأي الشرع في قضية يحرص غالبية الشعب على معرفة الرأي الشرعي فيها؟! كما نسألهم عن سبب حرصهم على اجهاض قانون قائم ومسلَّم به لدى الجميع وهو غير موجه ضد النساء أو الرجال؟! ولماذا يتهمون زملاءهم نواب التكتلات المحافظة باضاعة وقت المجلس بقوانين تافهة - في تصورهم - بينما يتركون المواضيع العاجلة ذات الاولويات ليشغلوهم بقانون لا جدوى من ورائه؟!

الشيخ بكر أبوزيد في ذمة اللهفارقنا شيخ جليل لطالما أغنى المكتبة الاسلامية بكتبه التي تدعو الى الاعتدال ونبذ العنف، ولطالما تصدى للفئات المتطرفة في العمل الاسلامي ودعاهم الى وحدة الصف وترك الاختلاف، كما كان له باع كبير في مجال الدعوة الاسلامية والمشاركة في مجامع الفقه الاسلامية حتى اختير رئيسا للمجمع الفقهي الاسلامي لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وله كثير من المؤلفات العلمية، وطبع منها أكثر من خمسين مؤلفا.إنه  الشيخ بكر أبوزيد عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.

د. وائل الحساويwael_al_hasawi@hotmail.com