الأرض لولا الرياض واحدة
والناس لولا الفعال أمثال
تطرح بين الحين والآخر أفكار ومقترحات حول الوحدة الخليجية تكون فيها دول الخليج الست موحدة في كيان واحد مترابط لا تفصله حدود مصطنعة وتجمعه أهداف وآمال واحدة.
الأفكار التي تتحدث عن إنشاء كيان خليجي واحد هي أفكار إيجابية وبناءة، فالوحدة ولم شمل دول الخليج في كيان واحد هدف نبيل والمطلوب على المدى البعيد العمل أيضاً على توسيع الوحدة لتشمل أكبر عدد من الدول العربية وحتى الإسلامية.
ولكن قبل الذهاب بعيداً في التفكير ببناء وحدة خليجية واحدة، يجب أولاً العمل على توحيد الداخل، وما هو معني بالمقال الداخل الكويتي الذي يعيش في الوقت الحالي أسوأ أنواع التشرذم والتفكك، ولا يعد ما يطرح من أفكار للوحدة مع الخارج في هذا الظرف إلا قفز نحو المجهول، واستجارة من الرمضاء بالنار.
فمن مظاهر عدم الانسجام حالياً بين عناصر الشعب موضوع الجنسية، ففي الكويت تنوع عجيب لأنواع الجنسية، وتصنيفات مختلفة لأبناء البلد الواحد كأنما صممت لأن تكون لصيقة بهم أباً عن جد عبر العصور وحتى الدهور.
نعم، ان المظاهر الأكثر إزعاجاً هي تنوع الجنسية بشكل يخلق نظاما طبقيا قد يتطور إلى شكل من أشكال العنصرية تشبه ما هو موجود في بلاد الهند من تصنيفات طبقية لاصقة بالشعب لا تغيرها الحروب ولا تطورها وسائل الاتصال الحديثة ولا تغير ملامحها الزلازل ولا البراكين، فهذا من طبقة المهراجا وذاك من طبقة المنبوذين.
في أسرة واحدة تجد الابن كويتيا بصفة أصلية، وأبوه بالثانية والجد للأب متجنس، وأم الأب كويتية بالأولى وأبوها مؤسس شارك في حرب الجهراء وبنى السور. هذا الابن يستطيع أن ينتخب ويترشح لعضوية مجلس الأمة، اما أخوه الذي ولد قبله بالكويت وعاش فيها فترة أطول، ينتخب ولا يرشح نفسه لأنه ولد بعد أن حصل والده على الجنسية! أهذه أحجية أم قانون جنسية؟ هذا الوضع لا يشمل عائلة أو عشر عوائل كويتية بل آلافا مؤلفة من الأسر، يفرقهم قانون الجنسية وقد جمعتهم قبل ذلك الأرض وحبها، الأرض التي ولدوا فيها هم وآباؤهم.
انه يجب وكما هو معمول به في أكثر دول العالم أن يتم اعطاء المتجنس فترة اختبار عشر أعوام، أو عشرين عاماً، أو ثلاثين عاماً ويتم بعدها تعديل وضعه أو وضع أبنائه على الأقل ليتساووا مع بقية أبناء الشعب الكويتي بهوية واحدة، أما تعليق الأمور لعقود أو قرون فهذا ما لا يمكن إلباسه ثوبا دينيا ولا أخلاقيا ولا عقليا.
لا يمكن سرد كل الأمور التي تفكك الداخل في أسطر معدودة، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمها، فبجانب وضع الجنسية هناك موضوع آخر قد يقود إلى التشرذم والتفكك إذا لم يتم التعامل معه بالشكل السليم وهو موضوع الحريات. فالحرية في الكلام والتعبير عبر أي وسيط أو وسيلة مطلب مشروع بل حق، ولكن لا يعني ذلك الإساءة إلى عائلة أو قبيلة أو جماعة أو فكر بدعوى حرية الرأي. كذلك لا يمكن باسم الحرية تجاوز أخلاق المجتمع، فمحاربة الظواهر السلبية مطلب صحي ومقابل محاربة الظواهر السلبية يجب أن يكون هناك تعزيز للمظاهر الإيجابية والقيم الدينية والعادات الأصيلة الطيبة، ولا يمكن اختزال قضية الأخلاق عبر لجنة برلمانية، بل إن قضايا الأخلاق أشمل وأكبر من أن تدار وترصد وتعزز فقط تحت قبة البرلمان.
نعم الحرية لا تعني الفوضى، يجب أن تكون هناك ضوابط لكل فعل وقول يؤثر على الآخرين، ضوابط واعية ومعقولة، ضوابط مستمدة من تراث المجتمع الكويتي الثري أساساً ومنذ القدم في مجال الحريات العامة والخاصة.
ويجب التركيز على أن الكويت وبالرغم من صغر حجمها إلا أنها امتازت وقبل ما يسمى بالعولمة بكونها أرضا تستوعب التنوع وتصنع منه سلة ورود ملونة متنوعة، فلقد جمعت الكويت محيطها فيها، ففيها عاش أهل البحر والجزر وأهل الشرق وأهل الشمال والشط مع أهل الواحات وأبناء البادية والجزيرة العربية. عاشوا كلهم قبل القوانين الوضعية وقبل قوانين المرئي والمسموع وغيرها، جمعتهم ثقافات ومصالح متقاربة، فكونوا ثقافة كويتية عربية فطرية متسامحة، ذات منبع ديني واحد.
فقط، إذا استطاع الكويتي توحيد الداخل بشكل تتصافى فيه القلوب وتتحاب فيه النفوس وتطوى صفحة المصالح الشخصية وتفرد صفحة حب الآخرين من أبناء البلد، حينها يمكن التفكير بتصدير نموذج توحيد الداخل والبدء بوضع أفكار للتوحد مع الخارج.
كمال علي الخرس
كاتب كويتي
والناس لولا الفعال أمثال
تطرح بين الحين والآخر أفكار ومقترحات حول الوحدة الخليجية تكون فيها دول الخليج الست موحدة في كيان واحد مترابط لا تفصله حدود مصطنعة وتجمعه أهداف وآمال واحدة.
الأفكار التي تتحدث عن إنشاء كيان خليجي واحد هي أفكار إيجابية وبناءة، فالوحدة ولم شمل دول الخليج في كيان واحد هدف نبيل والمطلوب على المدى البعيد العمل أيضاً على توسيع الوحدة لتشمل أكبر عدد من الدول العربية وحتى الإسلامية.
ولكن قبل الذهاب بعيداً في التفكير ببناء وحدة خليجية واحدة، يجب أولاً العمل على توحيد الداخل، وما هو معني بالمقال الداخل الكويتي الذي يعيش في الوقت الحالي أسوأ أنواع التشرذم والتفكك، ولا يعد ما يطرح من أفكار للوحدة مع الخارج في هذا الظرف إلا قفز نحو المجهول، واستجارة من الرمضاء بالنار.
فمن مظاهر عدم الانسجام حالياً بين عناصر الشعب موضوع الجنسية، ففي الكويت تنوع عجيب لأنواع الجنسية، وتصنيفات مختلفة لأبناء البلد الواحد كأنما صممت لأن تكون لصيقة بهم أباً عن جد عبر العصور وحتى الدهور.
نعم، ان المظاهر الأكثر إزعاجاً هي تنوع الجنسية بشكل يخلق نظاما طبقيا قد يتطور إلى شكل من أشكال العنصرية تشبه ما هو موجود في بلاد الهند من تصنيفات طبقية لاصقة بالشعب لا تغيرها الحروب ولا تطورها وسائل الاتصال الحديثة ولا تغير ملامحها الزلازل ولا البراكين، فهذا من طبقة المهراجا وذاك من طبقة المنبوذين.
في أسرة واحدة تجد الابن كويتيا بصفة أصلية، وأبوه بالثانية والجد للأب متجنس، وأم الأب كويتية بالأولى وأبوها مؤسس شارك في حرب الجهراء وبنى السور. هذا الابن يستطيع أن ينتخب ويترشح لعضوية مجلس الأمة، اما أخوه الذي ولد قبله بالكويت وعاش فيها فترة أطول، ينتخب ولا يرشح نفسه لأنه ولد بعد أن حصل والده على الجنسية! أهذه أحجية أم قانون جنسية؟ هذا الوضع لا يشمل عائلة أو عشر عوائل كويتية بل آلافا مؤلفة من الأسر، يفرقهم قانون الجنسية وقد جمعتهم قبل ذلك الأرض وحبها، الأرض التي ولدوا فيها هم وآباؤهم.
انه يجب وكما هو معمول به في أكثر دول العالم أن يتم اعطاء المتجنس فترة اختبار عشر أعوام، أو عشرين عاماً، أو ثلاثين عاماً ويتم بعدها تعديل وضعه أو وضع أبنائه على الأقل ليتساووا مع بقية أبناء الشعب الكويتي بهوية واحدة، أما تعليق الأمور لعقود أو قرون فهذا ما لا يمكن إلباسه ثوبا دينيا ولا أخلاقيا ولا عقليا.
لا يمكن سرد كل الأمور التي تفكك الداخل في أسطر معدودة، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمها، فبجانب وضع الجنسية هناك موضوع آخر قد يقود إلى التشرذم والتفكك إذا لم يتم التعامل معه بالشكل السليم وهو موضوع الحريات. فالحرية في الكلام والتعبير عبر أي وسيط أو وسيلة مطلب مشروع بل حق، ولكن لا يعني ذلك الإساءة إلى عائلة أو قبيلة أو جماعة أو فكر بدعوى حرية الرأي. كذلك لا يمكن باسم الحرية تجاوز أخلاق المجتمع، فمحاربة الظواهر السلبية مطلب صحي ومقابل محاربة الظواهر السلبية يجب أن يكون هناك تعزيز للمظاهر الإيجابية والقيم الدينية والعادات الأصيلة الطيبة، ولا يمكن اختزال قضية الأخلاق عبر لجنة برلمانية، بل إن قضايا الأخلاق أشمل وأكبر من أن تدار وترصد وتعزز فقط تحت قبة البرلمان.
نعم الحرية لا تعني الفوضى، يجب أن تكون هناك ضوابط لكل فعل وقول يؤثر على الآخرين، ضوابط واعية ومعقولة، ضوابط مستمدة من تراث المجتمع الكويتي الثري أساساً ومنذ القدم في مجال الحريات العامة والخاصة.
ويجب التركيز على أن الكويت وبالرغم من صغر حجمها إلا أنها امتازت وقبل ما يسمى بالعولمة بكونها أرضا تستوعب التنوع وتصنع منه سلة ورود ملونة متنوعة، فلقد جمعت الكويت محيطها فيها، ففيها عاش أهل البحر والجزر وأهل الشرق وأهل الشمال والشط مع أهل الواحات وأبناء البادية والجزيرة العربية. عاشوا كلهم قبل القوانين الوضعية وقبل قوانين المرئي والمسموع وغيرها، جمعتهم ثقافات ومصالح متقاربة، فكونوا ثقافة كويتية عربية فطرية متسامحة، ذات منبع ديني واحد.
فقط، إذا استطاع الكويتي توحيد الداخل بشكل تتصافى فيه القلوب وتتحاب فيه النفوس وتطوى صفحة المصالح الشخصية وتفرد صفحة حب الآخرين من أبناء البلد، حينها يمكن التفكير بتصدير نموذج توحيد الداخل والبدء بوضع أفكار للتوحد مع الخارج.
كمال علي الخرس
كاتب كويتي