لم يكن جمهور المقاومة في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي بحاجة إلى تقرير لجنة فينوغراد ليطمئن أو يتأكد من انتصار المقاومة في لبنان في حربها ضد الكيان الصهيوني صيف 2006، ولم يكن جمهور المقاومة بحاجة إلى فضل او نصر إضافي، لكي يشهد به الأعداء. ولكن النتيجة النهائية التي خلص إليها التقرير، والتي تشير، في الجانب المعلن منها على الأقل، إلى الفشل الذريع الذي مني به الكيان الصهيوني على المستويين السياسي والعسكري، رسالة نوجهها إلى بعض المثقفين أولاً وإلى بعض الساسة والمسؤولين العرب ثانياً، فمنذ اليوم الأول لقيام المقاومة بعملية أسر الجنود الصهاينة تبرأ ساسة الاعتدال العربي من العملية ووصف كبارهم المقاومة والمقاومين بالمغامرين، وتبعتهم جوقة المروجين لثقافة الاستسلام والانسحاق الفكري والحضاري أمام الشرق والغرب بالهجوم والنقد الذريع للمقاومة ورموزها في هجمة بدت، وكأنها منسقة ومرتبة لطعن المقاومة وإضعافها ورفع أي غطاء شعبي أو رسمي عنها، واستمرت الحرب واستمر العدوان واستمرت المقاومة في الصمود والرد على العدوان، وحسب القوم أنها أيام وتسحق المقاومة ويهرب من يهرب من قادتها، ويُقتل من يُقتل من زعمائها ورجالها، كما حدث في مواقع وجبهات أخرى، وفاتهم وهم يقلبون أمانيهم ويعدونها أنهم أمام جيل مقاوم تربى على غير ما تربوا عليه، وأنهم أمام فتية مجاهدين يحرصون على الموت حرص أولئك على الحياة، وأنهم أمام قيادة مخلصة واعية لا يستطيع أولئك حتى التصديق بوجودها، وأنهم أمام استعداد عسكري وجهوزية ميدانية لم تعرفها أكبر جيوشهم، فكان النتاج الطبيعي لذلك كله النصر التاريخي الذي تحقق بفضل سواعد المجاهدين، ودماء شهدائهم، ودموع أهاليهم، وصمود جمهورهم، ودعاء محبيهم في أنحاء العالم كله.ورغم ذلك كله، فقد استمر نظام الاعتدال العربي ومثقفوه في رفض حتى الاعتراف بهذا الانتصار، وكأنه بذلك يريد معاقبة المقاومة وما تمثله من روح أصيلة لدى جماهير هذه الأمة على انتصارها. وبدلاً من الاعتراف بتقصيرهم وخطيئتهم الكبرى تجاه أمتهم ومقاومتها، وبدلاً من تنسيق الجهود والطاقات والتلاقي الموحد ضد أعداء هذه الأمة، فإذا بأيديهم تتجه إلى العناق والتلاقي مع رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت الذي تلطخت يداه، ومازالت، بدماء أهلنا في لبنان وفلسطين، والأنكى والأمر من ذلك كله أن بعض رموزهم يرفض لقاء زعماء المقاومة سواء في لبنان أو فلسطين، وتجده يحرص أشد الحرص على لقاء ساسة العدو الصهيوني ومسؤوليه سراً وعلانية وبلا حياء أو خجل، وهم يحسبون أنهم سيقبضون شيئاً من هذا الكيان الصهيوني الذي يعرف ماذا يريد ومع أي مفاوض ضعيف يتفاوض.ومن المستغرب حقاً أنه ومنذ أن وضعت الحرب أوزارها والخروقات الصهيونية لا تتوقف وطائرات التجسس الصهيونية تسرح وتمرح في سماء لبنان بلا حسيب أو رقيب، ولكننا لم نسمع صوتاً من أولئك الساسة العرب المعتدلين أو مثقفيهم الذين استكثروا على المقاومة الدفاع عن أرضها وشعبها، بل إن الاعتداء الصهيوني الأخير واغتيالهم لأحد المواطنين اللبنانيين قرب بلدة الغجر اللبنانية لم يحظ حتى بالتنديد العربي الشهير، في مقابل ذلك كله التنديد والتهديد الذي سيحصل لو أن المقاومة استخدمت حقها في الدفاع المشروع عن النفس وقامت بقتل جندي إسرائيلي واحد، فهل نحتاج بعد ذلك كله إلى دليل يكشف لنا مقدار الضعف وفقدان الإرادة التي يعيشها النظام الرسمي العربي اليوم، وكيف أنه فقد حتى ورقة التوت التي كان يتخفى وراءها تلك الأعوام كلها؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عادل حسن دشتي

كاتب كويتيDashti2006@hotmail.com