سوف يغضب الأخوة المثقفون في الإحساء لأنني لم أكتبها (الأحساء) كما يشددون، فقد كتبتها على مزاجي، وكما ينطقها أهل الخليج والجزيرة العربية، فنحن دائماً وأبداً على ما وجدنا آباءنا وأجدادنا عليه، و الإحساء اليوم أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً عما في كتب التاريخ، لقد أصبحت مدينة يقترب سكانها من المليون نسمة ومع ذلك ما زالت تستفزك بكنوزها التاريخية التي لم تكتشف بعد.
لقد قطعت خمسمئة كيلو متر بالتمام والكمال لأصل إلى الإحساء في دعوة ثقافية من نادي الإحساء الأدبي، والحقيقة أن الرحلة كانت متعبة بعض الشيء، فأنا من محبي الطيران رغم أنني لا أطير! ولكنني اضطررت للزحف البري لعدم وجود رحلة جوية مباشرة من الكويت للإحساء وهو ما أحلم به، ولن يتحقق في المستقبل، لذا طوينا البيداء (طعساً طعساً) وسهلاً سهلاً حتى وصلنا، والإحساء هي هجر التي تأتيك أخبارها الضاربة في أعماق التاريخ، وقدر هذه الواحة الغناء أنها مظهر الحياة الوحيد بين رمال الصحراء المتحركة ومن هنا كانت مطلب كل سلطة ومقصد كل راغب في العيش عندما كان العيش على أسنة الرماح.
لذا استخدمها القرامطة عاصمة لهم وأطلقوا عليها اسم الإحساء ومنها انطلقوا لتوسيع دولتهم حتى وصلوا إلى مكة وهناك قلبوا الدنيا، ونهبوا الحجر الأسود وأخذوه معهم إلى الإحساء، وبنوا به كعبة في عاصمتهم واحتار المسلمون لمدة 17 عاما فمنهم من كان يحج إلى مكة ويدور حول أساسات الكعبة، ومنهم من كان يضطر للذهاب إلى الإحساء وراء الحجر الأسود، والمهم أن القرامطة يئسوا من جعل الإحساء مزاراً دينياً، وأعادوا الحجر الأسود إلى مكانه في مكة المكرمة، ولكن الإحساء اكتسبت لاحقاً بعداً دينياً لن يخطر على بال بشر وهذا البعد الديني ليس إسلامياً، بل درزي فالدروز لديهم معتقد هو أن الدروز في آخر الزمان كما في كثير من الأديان سوف يجتمعون من كل أصقاع الأرض، وأين؟ في الإحساء أو هجر كما يرد اسمها في كتبهم! ومن هناك سيبدأون مسيرتهم العظيمة ليمروا على مكة، ثم يكملون مسيرتهم لتحرير القدس من الكفار! ولكنها حكايات الأديان، ويطلق (الدروز) على المتدينين فيهم بدلاً من( الحجي) ( الهجري) نسبة إلى هجر.
ومالنا وما للتاريخ فنحن أبناء اليوم، واليوم الإحساء مدينة عصرية جميلة جمعت عبق التاريخ ونضارة الحضارة، إنها اليوم تعيش أحلى أيامها ولم تعش عقدة المدن العربية الأخرى فهي لم تتنكر لتراثها فالبناء الإسمنتي ما زال ينحني أمام نخيلها الباسق والخضرة لا تفارق شوارعها الأنيقة، وحتى احتفالها الأدبي جاء بسيطاً دون مبالغات ممجوجة كما يفعل أحفاد الأشوريين والفراعنة! ورغم ذلك كان التنظيم على مستوى التنظيم لمؤتمر عربي (رغم أنها مؤتمرات فاشلة!) وكان الحفل ناجحا بكل المقاييس فجمع الضيوف من أطياف العالم العربي على المحبة والأدب والثقافة المحلاة بأصالة الكرم العربي العريق، وكان معبراً عن قيمة هذه المنطقة التاريخية. ولأن السفر لا يتم إلا بصحبة ماجد فإنني قضيت يومين حافلين بكرم الضيافة من القائمين على نادي الإحساء الأدبي، ولم أستغرب دماثة الدكتور نبيل المحيش، ولم استكثر رحابة ونبل الشاعر محمد الحلواج، ولم تحيرني حفاوة الدكتور يوسف الجبر، وعموم أعضاء النادي فهم أبناء الإحساء وقد جبلوا على الأصالة التي ورثوها من الجذور التاريخية لثقافة المنطقة.
لقد كان زمن الرحلة قصيراً جداً وبسببي، فالزمن شيء لا تستطيع ترويضه هذه الأيام ولكنها رحلة جعلت الأمل مشرعاً لرحلات كثيرة للإحساء في المستقبل القريب إن شاء الله.
فهيد البصيري
كاتب كويتي
Albus.fahad @hotmail.com
لقد قطعت خمسمئة كيلو متر بالتمام والكمال لأصل إلى الإحساء في دعوة ثقافية من نادي الإحساء الأدبي، والحقيقة أن الرحلة كانت متعبة بعض الشيء، فأنا من محبي الطيران رغم أنني لا أطير! ولكنني اضطررت للزحف البري لعدم وجود رحلة جوية مباشرة من الكويت للإحساء وهو ما أحلم به، ولن يتحقق في المستقبل، لذا طوينا البيداء (طعساً طعساً) وسهلاً سهلاً حتى وصلنا، والإحساء هي هجر التي تأتيك أخبارها الضاربة في أعماق التاريخ، وقدر هذه الواحة الغناء أنها مظهر الحياة الوحيد بين رمال الصحراء المتحركة ومن هنا كانت مطلب كل سلطة ومقصد كل راغب في العيش عندما كان العيش على أسنة الرماح.
لذا استخدمها القرامطة عاصمة لهم وأطلقوا عليها اسم الإحساء ومنها انطلقوا لتوسيع دولتهم حتى وصلوا إلى مكة وهناك قلبوا الدنيا، ونهبوا الحجر الأسود وأخذوه معهم إلى الإحساء، وبنوا به كعبة في عاصمتهم واحتار المسلمون لمدة 17 عاما فمنهم من كان يحج إلى مكة ويدور حول أساسات الكعبة، ومنهم من كان يضطر للذهاب إلى الإحساء وراء الحجر الأسود، والمهم أن القرامطة يئسوا من جعل الإحساء مزاراً دينياً، وأعادوا الحجر الأسود إلى مكانه في مكة المكرمة، ولكن الإحساء اكتسبت لاحقاً بعداً دينياً لن يخطر على بال بشر وهذا البعد الديني ليس إسلامياً، بل درزي فالدروز لديهم معتقد هو أن الدروز في آخر الزمان كما في كثير من الأديان سوف يجتمعون من كل أصقاع الأرض، وأين؟ في الإحساء أو هجر كما يرد اسمها في كتبهم! ومن هناك سيبدأون مسيرتهم العظيمة ليمروا على مكة، ثم يكملون مسيرتهم لتحرير القدس من الكفار! ولكنها حكايات الأديان، ويطلق (الدروز) على المتدينين فيهم بدلاً من( الحجي) ( الهجري) نسبة إلى هجر.
ومالنا وما للتاريخ فنحن أبناء اليوم، واليوم الإحساء مدينة عصرية جميلة جمعت عبق التاريخ ونضارة الحضارة، إنها اليوم تعيش أحلى أيامها ولم تعش عقدة المدن العربية الأخرى فهي لم تتنكر لتراثها فالبناء الإسمنتي ما زال ينحني أمام نخيلها الباسق والخضرة لا تفارق شوارعها الأنيقة، وحتى احتفالها الأدبي جاء بسيطاً دون مبالغات ممجوجة كما يفعل أحفاد الأشوريين والفراعنة! ورغم ذلك كان التنظيم على مستوى التنظيم لمؤتمر عربي (رغم أنها مؤتمرات فاشلة!) وكان الحفل ناجحا بكل المقاييس فجمع الضيوف من أطياف العالم العربي على المحبة والأدب والثقافة المحلاة بأصالة الكرم العربي العريق، وكان معبراً عن قيمة هذه المنطقة التاريخية. ولأن السفر لا يتم إلا بصحبة ماجد فإنني قضيت يومين حافلين بكرم الضيافة من القائمين على نادي الإحساء الأدبي، ولم أستغرب دماثة الدكتور نبيل المحيش، ولم استكثر رحابة ونبل الشاعر محمد الحلواج، ولم تحيرني حفاوة الدكتور يوسف الجبر، وعموم أعضاء النادي فهم أبناء الإحساء وقد جبلوا على الأصالة التي ورثوها من الجذور التاريخية لثقافة المنطقة.
لقد كان زمن الرحلة قصيراً جداً وبسببي، فالزمن شيء لا تستطيع ترويضه هذه الأيام ولكنها رحلة جعلت الأمل مشرعاً لرحلات كثيرة للإحساء في المستقبل القريب إن شاء الله.
فهيد البصيري
كاتب كويتي
Albus.fahad @hotmail.com