بحث الدكتور علي الزعبي من أجمل وأحدث البحوث التي تمت إجازتها في العام 2004، وهو يتحدث عن ثقافة المنشآت وتأثيرها على السلوك الإداري وكيف أن سبب غياب القيادة لدينا يعود إلى تفشي عوامل الفساد الإداري وأن الواسطة سبب في تدهور الأداء.التقيت قبل أيام بأساتذة كرام لهم باع كبير في الجانب النفسي المؤثر في أداء المؤسسات وكان الحديث عن سبب عدم شغل الكفاءات للمناصب القيادية. وخلاصة النقاش مفادها أن معظم الكفاءات تحمل صفة الفخر بالذات، وهي مؤمنة بأن الكفاءة تأخذ فرصتها وتفرض وجودها لو أن القيادات مسحت من أجندتها قوة تأثير الواسطة والمحسوبية، وهذا لا شك أنه حلم صعب تحقيقه في مجتمعنا العربي عموماً.أعتقد والله العالم أن الكفاءات تأخذ فرصتها في حالة واحدة وهي: وجود قيادة تؤمن بتقدير الكفاءات وتمنحهم الفرصة بغض النظر عن الجوانب المؤثرة مثل: بدوي، حضري، داخلي ـ خارجي (مناطقي) أو سني أو شيعي، وذلك من خلال رفع توصيات لزملائهم في الشركات الأخرى، عندما يلاحظون أن الأبواب قد سدت في وجه الكفاءات بالشركات أو المؤسسات التي يعملون فيها. وأعتقد كذلك أن الإدارة يجب أن تتفهم مفاتيح النجاح حينما تختار على أساس الكفاءات والقدرات الشخصية لبعض أصحاب العطاء الإيجابي الذي يرفع من إنتاجية المنشأة.يقول لي أحد الكفاءات إن المشكلة اجتماعية والفرد الذي يحصل على تقدير علمي بتفوق ويصقل قدراته الإدارية والقيادية ليصنع من نفسه سمة قيادية خاصة لا يقبل إطلاقاً أن يلجأ إلى نائب للتوسط له إلا في أضيق الحدود. وهذا يحدث في القطاع الحكومي، إذ إن الكلمة والمنصب لمن له نفوذ وعلاقة بأصحاب القرار وتقع المظلمة عليه ولا يجد بداً من عرض مشكلته على النواب.إذاً المشكلة معنية بثقافة المجتمع، كما ذكر الدكتور علي الزعبي في بحثه وتطرقنا إليها في رسالة الماجستير عن القيادة وكيف أن سبب غياب المفاهيم القيادية لدينا يعود إلى تفشي مفهوم الوساطة والمفاضلة على مبادئ ذكرناها في سياق الحديث أعلاه.إننا بحاجه إلى انتفاضة إدارية تعزز من مفهوم القيادة، وكي تكون المناصب القيادية للأصلح، وهذا القانون تقدم به النائب الدكتور ناصر الصانع وزملاؤه النواب وبحاجه إلى تفعيل ومسح ميداني لمستوى أداء القياديين لدينا.لم تعد الكويت كما كانت... وتحوّل الكويت إلى مركز مالي بحاجة إلى قيادة وإدارة تنفيذية مختارة بعناية وفق معايير سليمة، وإنني أجزم أن تحول الكويت إلى مركز مالي لن يتم تفعيله بالشكل المطلوب مادامت النزعة القبلية، الفئوية، الحزبية، المذهبية هي المعيار في الاختيار بجانب قوة النفوذ لدى البعض.في الكويت باحثون في علم الإدارة، وقد كتبت البحوث بعناية وحيادية، ولكن الشاهد أن مصير تلك البحوث أرفف توضع عليها ولا يعود إليها سوى قلة من أبناء جلدتنا. تذكرت قولاً مأثوراً نصه: «ليس الفخر أن تقهر قوياً، بل أن تنصف ضعيفاً»، فكم ضعيفاً يحمل أفكاراً نيرة حرمته ثقافة منشآتنا من تولي منصب قيادي. إنهم كثرة، والقوي «يناطح» القوي، لأهداف شخصية ومصالح ضيقة الحدود! فمتى تستقيم الأمور في منشآتنا؟ والله المستعان

تركي العازميكاتب ومهندس كويتيterki_alazmi@hotmail.com