وإن كان يقول باطلاً في بعض الأحيان، إلا أن الشاعر المتنبي كان في قمة الصدق والروحانية والشفافية حينما قال:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدّق ما يعتاده من توهّم
وتلكم قاعدة ثابتة من وجهة نظري على الأقل، فنحن، الكويتين، نقول في المثل (كلن يرى الناس بعين طبعه) بمعنى أنني كشخص أفسر أفعال الآخرين، وأقيم سلوكهم وفقاً لمنهجيتي ونظرتي للناس والمواقف والحياة، فلو كنت كاذباً مراوغاً متلوّناً، فتفسيري لأفعال الآخرين وأقوالهم هو أنهم كاذبون ومراوغون ومتلونون، ولو كنت صادقاً طيب القلب، صافي النية، شفاف الروح، فلا أرى الآخرين إلا من خلال تلك الصورة.
التفسير أعلاه يعتبر تفسيرا مبسطا للموضوع الذي أود التعمق فيه بشكل أكبر، وهو أن الإنسان عندما يفكر في موضوع، ويسيطر على أفكاره وخيالاته وجوارحه، فإنه لا يرى إلا ما هو مرتبط بتلكم الأفكار، ولا يركز في الأحداث إلا على ما يقود إليها، بل يكون منقاداً لسيل تلك الأفكار والتصورات والتفسيرات بكل رحابة صدر، ودون تردد أو أدنى شك، ولعلها ترتقي في عقله إلى مرتبة اليقين، مع أنها قابلة للشك وإعادة النظر.
أذهاننا وعقولنا تربة خصبة لأفكارنا وتصوراتنا، وهي أيضا متاحة أمام الآخرين لينثروا فيها أفكارهم حينا، وترّهاتهم أحيانا أخرى، والخوف كل الخوف ليس من الاستماع لتلكم الأفكار ولو كانت سخيفة وتافهة، ولكنه الاستسلام الكامل لأصحابها، وعدم محاكمة ما يقولون محاكمة عقلية منطقية، ولذا نجد أبناء الحزب الواحد مستسلمين لأقوال سدنتهم من المفكرين والسياسيين دونما نقاش، فهي الحق وما سواها باطل، وهي مثال التقدمية وما عداها تخلف ورجعية وظلامية، وهي رمز الوطنية وغيرها تسلق على أكتاف الآخرين، وهي عمق الفهم الإسلامي للأحداث بينما يتعدى غيرهم حدود السلف الصالح.
قبل مدة قابلت شخصية سياسية مثيرة للجدل، ورأيت عن قرب حجم التلوّن والخداع والمراوغة التي يمتلكها أولئكم، ورأيت تطبيقاً عملياً لأبيات المتنبي، إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، ولأنه سيئ الأفعال والأقوال والمواقف السياسية منها والاجتماعية، فلا يرى الآخرين إلا وفق تلكم النظرة، كما حاول جاهداً أن يلمّع نفسه، ولكن ولات حين مناص، انتهت المسرحية يا حبيبي، ابحث لك عن مسرح وجمهور آخر كي تمارس فيه الدجل والشعوذة التي خدعت بها بعضهم حيناً من الدهر، ولا أكتمكم سراً عندما أقول انني لم أر شبه إجماع، في حياتي، على كره وبغض شخصية مثله.


د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
alsuraikh@yahoo.com