حدثان، في المدة الأخيرة، أثارا نقاشاً مستفيضاً وضجة حادة في أميركا والعالم. والملفت أنّ قاسمهما المشترك، هو الإسلام. الحدث الأول، الزوبعة التي أثارها معتوه اسمه تيري جونز، والثاني، مشروع بناء مسجد على مقربة من الـ «غروند Zero» في نيويورك. فيما يتعلق بالحدث الأول، ومع استنكارنا الشديد ورفضنا القاطع، لما كان جونز يريد القيام به، من حرقٍ لنسخ من القرآن الكريم، ولقد ذكرّنا ذلك بما حدث لابن رشد (1198 1196) حين تم إحراق كتبه على أيدي أعداء العقل (وأعداء الدين بشكلٍ أو بآخر!) فالسؤال هو، هل محاولة جونز، والذي وصفته ابنته بالمجنون، تستاهل كل رد الفعل هذه. الواضح، أنّ الدور الأساسي، لم يكن لجونز، بقدر ما كان للإعلام الذي سلط الضوء على «مجهول ما» أراد أن يلفت النظر إليه... بإعلان نيته عن حرق نسخٍ من القرآن الكريم. ثم انّ الإسلام برسالته الخالدة أكثر صلابة من أنّ تهزّه محاولات دنيئة كمحاولة جونز. وعلى حد قول مؤسس ومفتي «جماعة الجهاد» في مصر، السيد إمام الشريف والملقب بين «الجهاديين» بـ «الدكتور فضل» فالذي يحرق المصحف أو يمزقه لإهانة المسلمين لن يضر المصحف ولا الإسلام في شيء ولن يضر إلاّ نفسه وأهل ديانته» («الحياة» 18/9/2010). وفي اعتقادي، أنّه لو تم إهمال وعدم التلفت إلى ما كان سيقوم به جونز، والطلب من وسائل الإعلام عدم تغطيته «الحدث»، لقضي الأمر، وأضحى نسياً منسياً. يذكر سمير عطا الله («الشرق الأوسط» 14-9-2010) أنّ صحيفة «النيويورك تايمز» رفضت عام 2008 تغطية حدث مماثل لمتطرف أميركي في مدينة غينسفيل الأميركية، لأنّها أدركت أن المتطرق يسعى وراء وهج إعلامي لا أكثر ولا أقل. لقد وقع العالم الإسلامي، كالعادة، في موقع رد الفعل المبالغ فيه والمتطرف في الشكل والمضمون. وهذا ما حدث في شأن رسام الكاريكاتور الدانمركي كورث مينسترغارد حين نشر رسوماً مسيئة الى النبي (صلعم)، وقبل ذلك سلمان رشدي حين نَشر روايته «آيات شيطانية» والتي أجمع النقاد، أنّها دون المستوى الأدبي المطلوب. لكنّ تهديد الإمام الخميني بهدر دمه جعل من رشدي ضحية على مستوى المعمورة، فاكتسب عطف الرأي العام العالمي.
أما في ما يتعلق ببناء المسجد، فلقد بدا الأمر للأميركيين، بمثابة «حط عين» أي أنّه إضافة إلى الكوارث التي نتجت عن أحداث 11 /9 (والتي لا يقبلها عقلٌ ولا منطق، علماً أنّ شريحةً لا بأس بها من المسلمين، مع الأسف الشديد، لم تعارض ما فعله بن لادن، بل تعاطفت مع الذي حدث، تشفياً من الأميركيين!) فها نحن المسلمين نبني مسجداً قريباً من «الموقعة» مسلحين، بالقانون الأميركي الذي يعطينا هذا الحق، ويكفل حرياتنا. لكن رد الفعل السلبي العنيف، ضد تشييد المسجد، يبدو أنّه فاق توقعات صاحب المشروع فيصل عبد الرؤوف، فلقد ارتفعت نسبة الكراهية ضد المسلمين في أميركا من 40 في المئة إلى ما يقارب الـ 70 في المئة بسبب المسجد المنوي إقامته. وحين أعلن الرئيس الأميركي تأييده لبناء المسجد، انطلاقاً من الحق الذي يكفله الدستور الأميركي، فلقد أظهر استفتاء أخير لمجلة «تايم» الأميركية، أنّ 24 في المئة يعتقدون أنه مسلم!
لا أجادل في ضرورة بناء مساجد، ولكن حين تقضي الضرورة. في حديثٍ مسندٍ للرسول (صلعم): من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. وفي الوقت، الذي نحن فيه في أمس الحاجة إلى حشد الدعم الأميركي، خاصة على المستوى الشعبي، فكان من الاولى انطلاقاً من القاعدة الفقهية، سد الذرائع، التي نادى بها الشافعية والأحناف، وتأسيساً على مبدأ «المصالح» الذي قال به «الشاطبي»، صرف النظر عن بناء المسجد في ذلك الموقع الذي شهد ليس فقط انهيار بناية «الإمباير ستيت» بل، أيضاً، مع الأسف، أكبر عملية تشويه للإسلام والمسلمين! (مفتي «جماعة الجهاد» الذي أشرنا إليه أعلاه يجزم بعدم جواز بناء المسجد لأنّ فيه إساءة لأهالي ضحايا هذه التفجيرات الذين قُتلوا في عمل مخالف لتعاليم الإسلام، وفيه تذكير لهم ولغيرهم بأحزانهم «المصدر نفسه») وإذا سلّمنا جدلاً أنّ أحد اهتماماتنا لنصرة قضايانا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية (مقابل ما يفعله اللوبي الصهيوني...)، يجب أن يرتكز على حصد تأييد أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع الأميركي وعدم زعزعة موقع الرئيس أوباما (والذي أعلن عزمه في توطيد العلاقة بين أميركا والعالم الإسلامي في خطابيه في اسطنبول 7/4/2009 والقاهرة 5/6/2009...) في ضوء عزمه للوصول الى حلّ ما للقضية الفلسطينية، فأظن، أنّه كان من الأفضل، أيضاً، تحويل الأموال التي كانت مخصّصة لبناء المسجد في نيويورك لدعم «الحزب الديموقراطي» في الإنتخابات النيابية المرتقبة في شهر نوفمبر. والذي في حال فوزه، سوف يُعزّز موقع الرئيس أوباما، لأنّ وجوده في سدة الرئاسة الأميركية، مقارنةً بسلفه المتهور جورج بوش، يُعد مكسباً للقضية الفلسطينية. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون صرّحت بأنّ المفاوضات الحالية المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي آخر فرصة للجانبين!
في بيروت، كما في معظم العواصم الخليجية، والتي أزورها بحكم عملي، اَلْحَظ، زيادة مضطردة في بناء المساجد، حتى أنّ عدّد الائمة يزيد أحياناً عن عدد المساجد نفسها! وهنا، أتساءل، ألَيس من الأولى تخصيص المبالغ لمساعدة الفقراء المسلمين ليس فقط بمدهم بالمساعدات المالية، بل، بتنمية قدراتهم المهنية، والذاتية؟ في عودّة إلى مسجد نيويورك، فلا يسعنا إلاّ أن نسجل أنّ هنالك فئات أميركية أيدّت بناء المسجد (كما عارضت ما كان ينوي جونز القيام به) وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدُلّ على مستوى التسامح ونبذ العنصرية واحترام الرأي الآخر الذي يتمتع به المواطن الأميركي. علينا دائماً أن نميزّ بين الأميركي والسياسة الأميركية الداعمة للعدو الإسرائيلي، نتيجة تقاعس العرب عن إنشاء لوبي عربي يدعم قضاياهم. ومن الضروري العمل على استقطاب أكبر عدد من الأميركيين وجذبهم الى صفّنا لتأييد مواقفنا ونصرة قضايانا، بدلاً من العمل بقصد أو بغير قصد على «تنفيرهم». عشتُ في نيويورك، بحكم عملي السابق، لمدة عامين، لمست خلالها صدقاً في سلوك ومعاملة الأميركي وتودداً، ومحبةً، وتسامحاً وتهذيباً في علاقاته مع الآخر، إضافة الى انفتاحه وتقبله وتفهمه للرأي المعاكس.
في موازاة ذلك، تشير الكاتبة السعودية بدرية البشر («الحياة» 25/8/2010) إلى سلوكيات عموم المسلمين، خاصة في عالمنا العربي، ليس فقط مع الآخر، بل مع بعضهم البعض وتتساءل بحسرة: «على من نزل سيد الخلق، عندنا، أم عندهم»؟
ولا يسعني، إلاّ أن أكررّ السؤال ذاته، ليس فقط بحسرة، بل بألم وغصّة!
عبد الرحمن عبد المولى الصلح
كاتب لبناني
أما في ما يتعلق ببناء المسجد، فلقد بدا الأمر للأميركيين، بمثابة «حط عين» أي أنّه إضافة إلى الكوارث التي نتجت عن أحداث 11 /9 (والتي لا يقبلها عقلٌ ولا منطق، علماً أنّ شريحةً لا بأس بها من المسلمين، مع الأسف الشديد، لم تعارض ما فعله بن لادن، بل تعاطفت مع الذي حدث، تشفياً من الأميركيين!) فها نحن المسلمين نبني مسجداً قريباً من «الموقعة» مسلحين، بالقانون الأميركي الذي يعطينا هذا الحق، ويكفل حرياتنا. لكن رد الفعل السلبي العنيف، ضد تشييد المسجد، يبدو أنّه فاق توقعات صاحب المشروع فيصل عبد الرؤوف، فلقد ارتفعت نسبة الكراهية ضد المسلمين في أميركا من 40 في المئة إلى ما يقارب الـ 70 في المئة بسبب المسجد المنوي إقامته. وحين أعلن الرئيس الأميركي تأييده لبناء المسجد، انطلاقاً من الحق الذي يكفله الدستور الأميركي، فلقد أظهر استفتاء أخير لمجلة «تايم» الأميركية، أنّ 24 في المئة يعتقدون أنه مسلم!
لا أجادل في ضرورة بناء مساجد، ولكن حين تقضي الضرورة. في حديثٍ مسندٍ للرسول (صلعم): من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. وفي الوقت، الذي نحن فيه في أمس الحاجة إلى حشد الدعم الأميركي، خاصة على المستوى الشعبي، فكان من الاولى انطلاقاً من القاعدة الفقهية، سد الذرائع، التي نادى بها الشافعية والأحناف، وتأسيساً على مبدأ «المصالح» الذي قال به «الشاطبي»، صرف النظر عن بناء المسجد في ذلك الموقع الذي شهد ليس فقط انهيار بناية «الإمباير ستيت» بل، أيضاً، مع الأسف، أكبر عملية تشويه للإسلام والمسلمين! (مفتي «جماعة الجهاد» الذي أشرنا إليه أعلاه يجزم بعدم جواز بناء المسجد لأنّ فيه إساءة لأهالي ضحايا هذه التفجيرات الذين قُتلوا في عمل مخالف لتعاليم الإسلام، وفيه تذكير لهم ولغيرهم بأحزانهم «المصدر نفسه») وإذا سلّمنا جدلاً أنّ أحد اهتماماتنا لنصرة قضايانا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية (مقابل ما يفعله اللوبي الصهيوني...)، يجب أن يرتكز على حصد تأييد أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع الأميركي وعدم زعزعة موقع الرئيس أوباما (والذي أعلن عزمه في توطيد العلاقة بين أميركا والعالم الإسلامي في خطابيه في اسطنبول 7/4/2009 والقاهرة 5/6/2009...) في ضوء عزمه للوصول الى حلّ ما للقضية الفلسطينية، فأظن، أنّه كان من الأفضل، أيضاً، تحويل الأموال التي كانت مخصّصة لبناء المسجد في نيويورك لدعم «الحزب الديموقراطي» في الإنتخابات النيابية المرتقبة في شهر نوفمبر. والذي في حال فوزه، سوف يُعزّز موقع الرئيس أوباما، لأنّ وجوده في سدة الرئاسة الأميركية، مقارنةً بسلفه المتهور جورج بوش، يُعد مكسباً للقضية الفلسطينية. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون صرّحت بأنّ المفاوضات الحالية المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي آخر فرصة للجانبين!
في بيروت، كما في معظم العواصم الخليجية، والتي أزورها بحكم عملي، اَلْحَظ، زيادة مضطردة في بناء المساجد، حتى أنّ عدّد الائمة يزيد أحياناً عن عدد المساجد نفسها! وهنا، أتساءل، ألَيس من الأولى تخصيص المبالغ لمساعدة الفقراء المسلمين ليس فقط بمدهم بالمساعدات المالية، بل، بتنمية قدراتهم المهنية، والذاتية؟ في عودّة إلى مسجد نيويورك، فلا يسعنا إلاّ أن نسجل أنّ هنالك فئات أميركية أيدّت بناء المسجد (كما عارضت ما كان ينوي جونز القيام به) وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدُلّ على مستوى التسامح ونبذ العنصرية واحترام الرأي الآخر الذي يتمتع به المواطن الأميركي. علينا دائماً أن نميزّ بين الأميركي والسياسة الأميركية الداعمة للعدو الإسرائيلي، نتيجة تقاعس العرب عن إنشاء لوبي عربي يدعم قضاياهم. ومن الضروري العمل على استقطاب أكبر عدد من الأميركيين وجذبهم الى صفّنا لتأييد مواقفنا ونصرة قضايانا، بدلاً من العمل بقصد أو بغير قصد على «تنفيرهم». عشتُ في نيويورك، بحكم عملي السابق، لمدة عامين، لمست خلالها صدقاً في سلوك ومعاملة الأميركي وتودداً، ومحبةً، وتسامحاً وتهذيباً في علاقاته مع الآخر، إضافة الى انفتاحه وتقبله وتفهمه للرأي المعاكس.
في موازاة ذلك، تشير الكاتبة السعودية بدرية البشر («الحياة» 25/8/2010) إلى سلوكيات عموم المسلمين، خاصة في عالمنا العربي، ليس فقط مع الآخر، بل مع بعضهم البعض وتتساءل بحسرة: «على من نزل سيد الخلق، عندنا، أم عندهم»؟
ولا يسعني، إلاّ أن أكررّ السؤال ذاته، ليس فقط بحسرة، بل بألم وغصّة!
عبد الرحمن عبد المولى الصلح
كاتب لبناني