عندي تساؤل، وأنا هنا أخاطب فيك ذرة الإيمان، هل تنفعك صلاة أو صيام أو زكاة أو صدقة أو أي عمل صالح، وأنت ما زلت على سيرتك الأولى من أكل السحت والحرام، هل ما زلت تتساهل في الرشوة و(الكوميشين) والهدايا، وما يعطى من تحت الطاولة كما يقال، هل ما زلت تفخر بقدرتك على ترسية المناقصات بشراء خصومك لكل مسؤول في أي إدارة حكومية أو شبه حكومية، هل تعتقد أنك حينما حرصت على قيام ليلة القدر، وصيام ست من شوال أن الله سوف يقبل منك ذلك العمل، ثم تعود إلى ما كنت تفعله من ظلم البشر، وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ومراعاة أعضاء مجلس الأمة وتلبية رغباتهم، ولتذهب الكفاءة إلى الجحيم، ولتضرب بتكافؤ الفرص عرض الحائط، هل تعتقد أنك بحرصك على تلك النوافل سوف يقبل منك الله ما تقوم به من أعمال مخزية.
الله غفور رحيم، نعم صدقت... ولكنه طيب لا يقبل إلا طيباً، واستمرارك في أسلوب عملك نفسه لن ينفعك أبداً، ولن يقبل منك، وأنا لا أتألى على الله، فليس بيدي الحكم على أعمال الناس، ولم أدَّع ذلك يوماً من الأيام، ولست في معرض تقييم البشر، ولكنه الفهم السليم لحديث أورده الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى «يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا»، وقال تعالى «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب له.
القضية تكامل بين الأعمال، وخصوصاً تلك الأعمال التي تكون فيها حقوق للآخرين، فعندما يقوم أحدنا باقتراف ذنب خاص به ويتوب، فقد يتوب الله عليه إن صدقت توبته، ولكن إن ارتبط الأمر بظلم البشر، والتعدي على حقوقهم، وتقديم الآخرين عليهم دون وجه حق، فكيف تريد من الله أن يقبل منك دون إرجاع الحقوق لأصحابها. ولذا فأنا أدعو جميع الفاسدين، وأدعو نفسي قبلهم، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، أن نراجع حساباتنا، فالدنيا قصيرة مهما طالت، والعبادة إن أردنا أن يتقبلها الله منا علينا أن نخلّصها من شوائب عدم قبولها، وأهمها ظلم الآخرين، وأكل السحت الحرام، من خلال التحايل على قوانين المناقصات، وتظبيط مشرفي المشاريع. واعلموا أن صلاحكم قد يتعداكم شخصياً إلى أحفاد أحفادكم إن صدقت النوايا والأفعال، وصدق سبحانه القائل «وكان أبوهما صالحا».

د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
alsuraikh@yahoo.com