إعداد: إيلي خير الله

إنها الأمسية الرابعة من مهرجان الخرافي وقد خيّمت على مسرح الدسمة أجواء الهدوء بداية فاكتظت صالة المسرح بالحضور من أهل الاعلام والنقاد وهواة المسرح. وفي الثامنة تماماً أطفئت الأنوار وبدأ عرض مسرحية «ثلث الثلاثة» للمؤلف فيصل العبيد والمخرج نصار النصار الذي شارك كممثل أيضاً أما البطولة فقد توزعت ما بين مبارك سلطان وميرنا سعيد ونوار الغريني. انتهى العرض في التاسعة إلا ربعاً وتوجه الإعلاميون ومن يتابعون الحركة المسرحية الى إحدى قاعات الدسمة حيث تقرر عقد ندوة تطبيقية يديرها الزميل فالح العنزي ويطل من خلالها المخرج نصار النصار على الحاضرين للإجابة عن تساؤلاتهم ويغيب عنها المؤلف استثنائياً إثر ظروف طارئة استعدت سفره الى الخارج. في مستهل الندوة كانت كلمة للزميل عبد الستار ناجي أعلن فيها أن المداخلات ستكون محصورة بالصحافيين «ونعتذر ممن هم خارج الجسم الإعلامي إذ إننا لن نتمكن من سماع آرائهم».

مغادرة النقاد  على وقع شجارات حادة لغاية تلك اللحظة كان كل شيء لا يزال عادياً فانبرى الزميل العنزي الى تقديم فريق «ثلث الثلاثة» من مخرج ومؤلف وممثلين ومنفذي ديكور وإضاءة وصوت وموسيقى ومنح حق الكلام للمتحدث الأول عبد المحسن الشمري رئيس قسم الفنون في القبس الذي طالب بالتراجع عن قرار إقصاء من هم خارج الجسم الإعلامي عن تقديم مداخلاتهم كي يباشر بتقييمه للعمل... وقررالانسحاب فترك المنصة وجلس بين صفوف الجمهور. علاء الجابر علّق ان المداخلات التي استمعنا اليها في الأمسيات الماضية  لم تشكل إساءة لأحد وتساءل حول أسباب عدم تطبيق هذا النظام منذ بداية المهرجان... ووقف مستعداً للخروج.وفي تلك اللحظة سادت أجواء من البلبلة فغادر كل من الشمري والجابر والكاتبة عواطف البدر ودخيل الدخيل وسمعنا صيحات اعتراض تصدح في كل مكان من ذاك المسرح الشاسع.

خدش المشاعر الإنسانية على وقع الصراخ وأصوات الشجار بدأت الندوة فكانت الزميلة غادة عبد المنعم أولى المتحدثين فلخصت كلامها بالقول ان أجواء الكآبة قد أرخت بظلالها على بعض المشاهد في العرض كما أنها لاحظت تباعداً بين رؤية المخرج والنص وفقاً لتصورات المؤلف.كما أعربت عن استيائها من مشهدي الجثة المرمية على أرض المسرح حيث كانت رجلا الممثل مبارك سلطان ممدتين ناحية الجمهور كما أن مشهد رفس الفتاة للجثة وجعلها تتدحرج على الأرض هو مسيء للمشاعر الإنسانية. مع عودة الهدوء الى القاعة كانت كلمة للزميل عماد جمعة تساءل فيها عن سبب طرح هذه القضية التي تدور حولها المسرحية والبعيدة عن مجتمعاتنا الزاخرة بالقضايا المحلية الساخنة.وختم عماد بالقول انه كان من الأجدى طرح قضية ابنة بيئتها في مهرجان محلي كهذا. الزميل عبد الحميد الخطيب وجه التهنئة لفريق العمل بكافة أفراده على هذا العرض الجميل وأشاد بالموسيقات التي اختيرت بما يتناسب مع الجو المسرحي المطروح وعلق بأن الصبية ميرنا كان أداؤها ملفتاً ويستحق التوقف عنده.

علينا ألا نجمّل القبح لإيصال الرسالة ثمّ حان دور نصار للإجابة عن تلك التساؤلات فأوضح بداية أن ثمة اتفاق شديد الأواصر بينه وبين الكاتب الذي كان يعمل بداية على كتابة نص آخر لكن بعد لقائهما معاً اتفق على معالجة هذه القضية. وأردف «هذه ليست المرة الأولى التي نعمل فيها معاً.كل مخرج لديه الرؤيا الخاصة به لكن هذا لا يعني أن ثمة تباعداً بينه وبين الكاتب». وبالنسبة إلى مسألة حركة الجثة والرفسة أوضح نصار أننا أحياناً نضطر لإظهار القبح على ما هوعليه ليكون وقع الرسالة أشد تأثيراً في أعماق المتلقي... فكلنا شاهدنا قبل يومين مشهد تفجير سيدتين في وسائل الإعلام التي أظهرت الصور على فظاعتها بغية التأثير في الرأي العام. أما في ما يتعلق بمسألة التطويل في بعض المشاهد والحوارات فأكد نصار أنه سيحاول تدارك مثل هذه الأمور مستقبلاً فمن يسعى باستمرار لتطوير نفسه يحقق في نهاية المطاف الهدف المنشود. وتابع نصار متحدثاً في مسألة اختيار النص فأكد أن هذه المسالة مرتبطة به كما أوضح أن هذا النص كان قد أسند إلى مخرج آخر وضع له رؤية إخراجية مختلفة تماماً عما  رأيناه على الخشبة.وختم بالتأكيد على تقديم الأفضل والتقيّد بالتوجيه البناء لتكون الأعمال المقبلة أكثر تنوعاً.

العبيد متمكن من أدواته الزميل عبد الستار ناجي وبعد اضمحلال ذيول العاصفة التي أثيرت عند مغادرة النقاد عاد ليبدي رأيه في العمل ومنفذيه فقال عن «فيصل العبيد واحد من كتابنا الذين يمتلكون أدواتهم السخية فهو يذهب أبعد من حدود القضية ويطرح تساؤلات حول ما الذي يجبر الإنسان للتنازل عن أعضاء جسده أغلى ما يملك في الوجود... كما أن التناحر بين الشخصيات في العمل كان واضحاً وصريحاً» أما بالنسبة الى المخرج نصار- تابع ناجي- فهو يختزن في شخصه مجموعة من المواهب من حسن اختيار الألوان الموسيقية الى قدرته على تفعيل الممثلين كونه ممثلاً في الأساس. ونوّه بأداء الممثلين كمبارك سلطان الذي أظهر في هذا الدور مروحة متشعبة من التفاعلات التي يصعب اختزالها في شخص واحد، وميرنا سعيد ذات الأداء الرقيق على الخشبة مع الإشارة الى حاجتها لمزيد من العمل على ألوان الصوت المسرحي.

مهرجان الخرافي مستمر والأبواب مشرعة للجميع وحضر الدكتور نبيل الفيلكاوي رئيس مجلس الأمناء ومدير المهرجان فألقى كلمة أعرب فيها عن أسفه الشديد تجاه ما حصل من فوضى وأكد أن من عايش المهرجان في السنوات الماضية يدرك تماماً أن ما يلي العرض هو مؤتمر صحافي وليست ندوة تطبيقية ومن البديهي أن المؤتمر الصحافي هوشأن الصحافيين لكن أبا خلود –الزميل ناجي- أفسح المجال للجميع بالتحدث إلا ان هذا لايجوز إذ ثمة الكثير ممن يقتنصون فرصاً كهذه لتصفية حسابات خاصة. وأردف بالقول «هذا ما ثبت لدي عقب أكثر من خمسين عمل مسرحي شاركت في ندواتها التطبيقية». وتابع بالقول «أمس تلقى فريق الجامعة الكويتية صدمة قوية وكانت النتيجة أن جامعة الكويت قررت الاحتجاب عن المشاركة في المهرجانات المقبلة. نحن عملنا منذ البداية على أن نفتح أبواباً كانت موصدة بوجه المسرحيين وليس أن نوصد الأبواب بوجههم.لا يجوز التشهير بالشباب المندفع والمتحمس كما حصل أمس . «وسأل الحضور» أتظنون أن هؤلاء الشبان بعد ما أصابهم من إحباط سيكررون التجربة؟! بعد مجزرة أمس يجب أن أكون حكماً عادلاً». وختم بالقول «المهرجان مستمر وأبوابه ستبقى مشرعة أمام الجميع... وأعلن منذ الآن أن في الدورة المقبلة سندعم كل الفرق الجديدة التي تسعى الى تقديم أعمال هادفة بمنحها مبلغ 3000 دينار لتدخل وتنافس سواها من الأعمال».

يسعدني أني أول وجه في الخرافي على وقع التصفيق الحار ألقى النصار كلمته الختامية وكانت مقسمة الى مفصلين. في الجزء الاول وجه نصار الشكر لكل من ساهم وأشرف وشارك في إنجاح هذا العمل بدءا من الشبان الذين كانوا يتولون تقديم أكواب الشاي إلى أعضاء الفريق اثناء البروفات المرهقة وصولاً إلى كبار الإداريين في المسرح الكويتي. أما في المفصل الآخر فقد طاب لنصار التنويه بأنه من دواعي سروره أن يكون من أول الوجوه التي أطلت في العرض المسرحي الأول ضمن مهرجان الخرافي بدورته الأولى وما زالت المسيرة مستمرة منذ سنوات.إلى ذلك ذكّر بكبار الأساتذة الذين تعاون معهم من د. حسين المسلم، فيصل العميري، خالد المفيدي «وقد تعلمت منهم الكثير كما استفدت من خبرة الكبير جاسم النبهان».وأكد أن المسرحيين بحاجة للمشاركة في مزيد من المهرجانات خاتماً بجملة» دعونا نخطىء، دعونا نصيب، ولكن لا تتركوننا دون توجيه».

يعرض اليوم

عقب خمسة عروض متتالية حان موعد عرض مسرحية «عنتر يا حاميها» لفرقة الجيل الواعي من تأليف الدكتور حسين المسلم وإخراج عصام الكاظمي وأحمد المسلم وذلك في تمام الثامنة مساءً على خشبة مسرح الدسمة. الجيل الواعي الذي حصد مجموعة من الجوائز في الدورات السابقة من مهرجان الخرافي يواجه تحديات شرسة هذا العام لا سيما أنه يتطرق الى قضية التمييز العنصري من خلال ربطها بما عاناه عنتر مع بني عشيرته من رفض ونكران لمجرد أنه أسود البشرة بصرف النظر عن التضحيات الجسام التي سجلّها التاريخ في رصيد عنتر الذي قام بأعمال بطولية دفاعاً عن قومه ولم ينل منهم سوى الطعن في الظهر.

علاء الجابر مغادراً