| القاهرة من محمد عبدالفتاح |
في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.
وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.
«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .
كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.
وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.
كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.

... وانتظره جمال عبدالناصر حتى أفرغ ما لديه، ثم كان تعليقه ان كل ما سمعه من المشير خارج الموضوع، وان سؤاله كان سؤالا محددا، وليست هناك جدوى من تجنب الرد عليه مباشرة... وهكذا هبط عبدالحكيم عامر فورا من الغضب الى التظاهر به دفاعا عن النفس، واعترف بعلاقته مع السيدة برلنتي عبدالحميد، ولم يجد ما يبرر به تصرفه سوى انه وجد أخيرا انسانة تستطيع ان تفهمه... وكانت الدموع تلوح في عينيه وهو يحاول ان يكتمها... ثم لم يتمالك نفسه وراحت دموعه تجري على خديه في صمت... وسأله جمال عبدالناصر عن الظروف التي تعرف فيها عليها... وكان رد عبدالحكيم عامر انه تعرف بها عن طريق رئيس المخابرات العامة صلاح نصر.

نكسة ونهاية قائد
كان عبدالحكيم عامر قائدا للقوات المسلحة المصرية أثناء الهزيمة المرُة في العام 1967، على أيدي القوات الاسرائيلية، وبعدها تنحى عن جميع مناصبه أو أعفي منها بسبب التصرفات الارتجالية وغير المدروسة خلال قيادته المعارك، ثم انهياره التام والتخبط في اصدار القرارات... خصوصا قرار الانسحاب الكيفي من سيناء الذي كان السبب الرئيسي للهزيمة.
اعتصم عامر في منزله في الجيزة، ومعه بعض قيادات القوات المسلحة المتعاطفين معه، فاستدعاه الرئيس جمال عبدالناصر للتفاوض معه حتى لا تزداد حالة البلبلة، خصوصا بعد ان وصلت عبدالناصر انباء عن اعتزام المشير التوجه الى احدى القواعد العسكرية للقيام بانقلاب عسكري من هناك، ثم فرضت الاقامة الجبرية على المشير لكنه لم يحتمل ذلك، خصوصا في ظل الانهيار النفسي الذي كان يعاني منه عقب الهزيمة.
وكما كانت حياة عبدالحكيم عامر حافلة بالعديد من الأحداث المثيرة والغريبة...جاءت وفاته مثيرة أيضا... فقيل ان المشير عبد الحكيم عامر انتحر ـكما أعلن عن ذلك في 14 سبتمبرالعام 1967، ودفن في قريته «أسطال» التي ولد فيها قبل 48 عاما من وفاته وقتذاك، اثر تناوله كمية من السم، ولكن خبير السموم الدكتور علي محمد دياب أشار في صحيفة «أخبار اليوم» الصادرة في مصر بتاريخ 27 سبتمبر 1975، الى ان المشير لم ينتحر، وانما دُسّ له سم «لاكونتثن» في كوب عصير الجوافة الذي قدم اليه.
يقول رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر 1973... اللواء محمد عبد الغني الجمسي - رحمه الله - في مذكراته عن ظروف وفاة عبدالحكيم عامر: بينما كنت أجلس مع اللواء أحمد اسماعيل ليلا في جبهة القناة نراجع -كالمعتاد - يوميا نشاط العدو في سيناء ونواياه في الفترة القصيرة المقبلة، وكذا نتائج أعمال قواتنا، قبل ان يتوجه كل منا الى خندق النوم المخصص له، دق التلفون وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزي من القاهرة، كان هدف المكالمة هو اخطارنا بانتحار المشير عامر في منزله بمادة سامة شديدة المفعول، كان يخفيها ملاصقة لجسمه تحت الملابس الداخلية، وانه سيعامل معاملة أي منتحر آخر بالنسبة لتشييع جنازته بعد تسليم الجثة لأسرته، ومعنى ذلك... انه لن تكون هناك أي مراسم عند تشييع الجنازة.
أخذ اللواء أحمد اسماعيل يناقشني في رد الفعل المنتظر لهذا الحادث بين القوات في الجبهة، ووصلنا الى نتيجة مؤكدة هي: ان انتحار المشير عامر لن يكون له تأثير عام، فلاتزال حرب يونيو بأحداثها ونتائجها المريرة تترك أثرها العميق في نفوس جميع العسكريين بعد ان فقدنا سيناء، واستشهد لنا الآلاف من رجال القوات المسلحة، ولم يكن أحد قد نسي دوره في الهزيمة كقائد عام للقوات المسلحة، واستعدنا معا الحالة السيئة التي وصلت اليها القوات المسلحة في ظل قيادته، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب الهزيمة.
وأصدر النائب العام قراره في الحادث يوم 10 أكتوبر 1967، وجاء فيه «وبما انه مما تقدم، يكون الثابت ان المشير عبدالحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وارادة مادة سامة بقصد الانتحار، وهو في منزله وبين أهله يوم 13 سبتمبر 1967، قضى بسببها نحبه في اليوم التالي، وهو ما لا جريمة فيه قانونا... لذلك... نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها اداريا».
وكان ذلك هو المصير النهائي للمشير عامر، الذي كان برتبة رائد عند قيام ثورة 23 يوليو 1952، وبعد أقل من عام ترقى لرتبة اللواء مع تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة في 18 يونيو 1953، ثم ترقى بعد نحو 5 سنوات الى رتبة المشير في 20 فبراير 1958، وأصبح نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
ولاتزال شخصيته تثير العديد من علامات الاستفهام حتى الآن، بخاصة انه كان على رأس المؤسسة العسكرية المصرية لأكثر من 14 عاما، شهدت خلالها العدوان الثلاثي العام 1956، وانفصال سورية العام 1961، وتورط الجيش المصري في اليمن العام 1962، وأخيرا هزيمة يونيو العام 1967 التي سميت بـ «النكسة».
وعنه ... قال الرئيس المصري الراحل انور السادات في كتابه «البحث عن الذات»: «كان لعبدالحكيم عامر أخطاؤه بطبيعة الحال، ولكن الأهم من ذلك، انه كان يسيء اختيار معاونيه بشكل فاضح، وكان من أبرز ملامح شخصيته روح القبيلة، فهو يساند معاونيه بالحق أو الباطل».

السينما والتلفزيون
تم تناول شخصيته بعدد من الأفلام والمسلسلات نذكر منها:
ناصر 56 - فيلم عن جمال عبدالناصر بطولة أحمد زكي... وقام بدور عبد الحكيم عامر الممثل المصري طارق الدسوقي، وفيلم «جمال عبدالناصر»... وهو من بطولة المصري خالد الصاوي، وقام بدور عبدالحكيم عامر الممثل المصري هشام سليم.
ومسلسل «العندليب - حكاية شعب» سنة 2006 ... عن قصة حياة عبدالحليم حافظ بطولة: شادي شامل، وقام بدور عبدالحكيم عامر الممثل طارق لطفي، «ناصر» عن حياة جمال عبدالناصر انتاج 2008 ... وقام بدور عبدالحكيم عامرالممثل المصري أحمد صفوت.