نحن في الكويت مخترقون في كل شيء حتى أصبحنا مخترقين في النوايا، ويقوم البعض في تصنيف ردود الأفعال بناء على اجتهادات فردية في معظمها خاطئة لأن ما في الأنفس لا يمكن أن يخترق، وقد يتردد أن فلان الفلاني «مدزوز» من فلان، والمتنفذ الفلاني مدعوم من شخصية ما... ولكن ما هو الأثر الناجم عن خطأ الاختراقات هذه!
حكاية الصحافي الإسرائيلي الداد باك اختراق واضح، وبررت وزارة الداخلية بأنه ناجم عن خطأ بشري «وسط زحمة العمل» على لسان النائب سعدون حماد نائب الخامسة والثالثة مستقبلاً ولا حول ولا قوة إلا بالله... ورد النائب مسلم البراك «إنه عذر أقبح من ذنب»!
هذا الاختراق الأمني في غاية الحساسية، وكم من خطأ بشري حصل في وزارة الداخلية، لكن هذا الاختراق «اسمح لي» لا يمكن تبريره فالنائب د فيصل المسلم صرح لـ «الراي» عدد الجمعة 20 أغسطس بالواقعة مدعمة قوله بالوثائق فأي توضيح تحتاجه الحكومة الإلكترونية!
وبالمرور على سلسلة الاختراقات نجد آثارها سواء بخطأ معنوي أو خطأ مبرمج ومعد بإتقان منعكسة على حالة العلاقة بين المخترق ومن قصد اختراقه، وانعدام الشفافية والمحاسبة وتوضيح الأمور في حينها يجعل من نهج الاختراقات فعلا متبعا ومعه «قواة عين»... راجعوا طريقة الاختراقات المتبعة بدءاً من تلك التي حاولت شق اللحمة الوطنية إلى اختراق الأمن القومي المتمثل في دخول الصحافي الإسرائيلي مروراً باختراقات الوزراء والنواب والكتاب وآخرها اختراق وزير المالية الشمالي في تصريحه عن راتب الشهرين و«دولة فيها مسلم البراك»!
إذا عند الحكومة ما يكفيها وعند النواب والمجتمع شواهد تدل على انفلات الحالة المعنوية لدينا، حتى تمويل خطة التنمية نالها نصيب من الاختراق على وقع تصريح النائب ضيف الله بورمية الذي وصف التمويل الحكومي بـ «إعادة توزيع للثروة على المتنفذين»!
الأمر أكبر من حكاية اختراق، إنها مسألة انفلات معنوي فلا يجوز أن نحاكم النوايا، لا يجوز أن نفسر الأمور على «مشتهانا»... وطبعاً حكاية الاختراق الإسرائيلي غير لأن المنظومة الأمنية يجب أن تدار بعقلية أكثر احترافية وأن تكون الأمور بعيداً عن الحالة الرمادية التي نعيش تراكماتها!
والأمر أكبر من الاختراقات، فهو خلل في المنظومة الإدارية، وهذا الخلل لا شك أن المتسبب فيه هم القياديون في المنظومة الإدارية وما يؤكد هذا الخلل تصريح الوزير د فاضل صفر في تقرير عن إنجاز مشاريع الخطة التنموية: «أورد بعض التحديات التي واجهت الحكومة أثناء تنفيذ الخطة ومنها طول الدورة المستندية والروتين والبيروقراطية»... فمن فمك أدينك كما يقولون... إذا كان هذا تصريح الوزير صفر فما هو تعليق البسطاء الذين ينشرون مشاكلهم في الصحف ولا تتحرك الحكومة تجاه طول الدورة المستندية والبيروقراطية!
حتى على مستوى الصحة، التعليم، الكهرباء، البورصة... كل شيء مخترق من أيادي بعضها يعلم الدوافع والبعض الآخر مغلوب على أمره ولو أن النائب سعدون حماد «شد حيله» في رفع المعاناة عن المواطنين لكن «أبرك» من تصريحه حول دخول الصحافي الإسرائيلي!
إنها مأساة إدارية سببها العقم القيادي الحكومي، وغياب مبدأ الثواب والعقاب، ودخول الأنفس طرفاً في البحث والتعليق على معظم القضايا العالقة... والله المستعان!


تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki.alazmi@gmail.com