| نادين البدير |
عدد من شيوخ ورجال الدين يقدمون اليوم طرحاً مختلفاً. طرح يبدو في ظاهره تنويرياً ثائراً على مبادئ أسلافهم، إذ يقرن الإسلام بمفاهيم عصرية وإن لم يصرح عن ذلك لفظياً، يقرنه بالليبرالية وبالحرية حتى تم اختراع مصطلح الإسلام الليبرالي أو التنموي ليغدو متداولاً ودليلاً على أن الدين ليس بعيداً عن متغيرات الفكر الحديث.
ثار الباقون على الفكر القديم، احتدم الجدل، وصلنا عبر صفحات الجرائد وبرامج الفضائيات سيل الاتهامات المتبادلة وجانب من المعارك الدائرة داخل الأسوار الدينية. أبطالها دعاة الصحوة والوسطية ودعاة التطرف، ليس مستغرباً أن يثور رجالات الفكر القديم فما يتم طرحه على يد رجالات الحداثة الدينية لا يحتمله العقل الفقهي التقليدي المبني على الانغلاق والتشدد في أغلب الأمور.
قبل عدد من السنين كان هناك إجماع ديني بأن الاختلاط ممنوع وحرام، اليوم. يذهب عدد من رجال الفقه إلى جوازه بل وضرورته. وكان كشف وجه المرأة محرما فتم تحليله، وبعد أن كان حكم خروجها من المنزل فتنة غدا اليوم ضرورة تنموية. وحتى التسعينات كان التلفاز مجرماً ملعوناً لا يدخل إلا بيوتاً تسكنها الشياطين، اليوم. يتسابق إليه رجال الفقه والتوحيد ويتنافسون على محطاته وإن كانت تعرض الرقص والغناء والمجون بل ولا يمتنعون عن حشر أنفسهم حشراً بين فقرات لمطربين وراقصات. ويريد بعضهم أن يكون سباقاً فيعلن أن المسلسلات مباحة وليست محرمة كما يذهب لرفض تكفير الممثلين والممثلات. الغناء الذي كان عربدة تحول للحن شجي مثبت بالأدلة. وبعد الدعوة لقتل الآخر، ارتفعت الأصوات لإكرام الجار الكافر.
المفارقة أن من يبيح اليوم المنكرات السابقة، هو نفسه من أفتى بتحريمها زمن صمت الحكومات ومباركتها للتطرف.
ما الذي يحدث داخل الأسوار الدينية؟ ثورة؟
هل نصدقهم؟ هل نفرح؟ أم نصفق؟
هل بيده إصلاح أخطاء الماضي ذلك الذي ارتكبها؟
ومن أين ينبغي أن يحدث التغيير؟ من داخل الفكر الليبرالي أم الديني أم كليهما؟ أم ليس هناك داع لهذا القلق المهموم بمصدر التغيير؟
هل من السهل أن تتغير المبادئ من النقيض إلى النقيض؟ وتكون المصادفة أن يتزامن ذلك التغيير ويتوافق مع تغييرات سياسية متطابقة؟
المصالح السياسية اليوم تتطلب أن تخف حدة التشدد، والنفاق للمسؤولين يفرض تحليل أمور آمنوا بحرمانيتها. حتى المعتقدات تباع وتشترى ولكل منها سوق وثمن.
رجل السياسة في المقابل أوصل الشارع العام المخدر المسير، إلى مرحلة لا يصدق بها سوى من يمسك بالسبحة ولا يستمع إلا لدعاة الفضائيات، كان لا بد من الاستعانة بهم حكومياً لتغيير فكر الجموع الميالة للتشدد.
قد يقول البعض ليس هناك فارق بين أن يحدث التغيير من داخل العباءة الدينية أو يخرج من عباءة الليبراليين، المهم أن يتم الإصلاح. لكن مشكلة حدوثه من داخل العباءة الدينية مشكلة خطيرة كونه يصدر عن أناس لم يكونوا ليؤمنوا بالإصلاح لولا الحرب على الإرهاب، فكيف تترسخ قيم تنويرية داخل مجتمع حين يكون المسؤول عن نشرها مجموعة أفراد يتاجرون بمفهوم الحرية ويرفضونها بأعماقهم. حديث مفصل مع أحدهم سيكشف رجعيتهم الداخلية المتأصلة، سيكشف أن ما يقوموا به ليس سوى لعبة سياسية ستنتهي بمجرد انتهاء عملية المتاجرة والمقايضة. ملايين من الدولارات تستحق أن تبيع لأجلها معتقدك وجماعتك. لا، ليست ثورة دينية. إنما ثورة تتاجر بالدين. والمنابر لهؤلاء، لأصحاب التجارة الدينية، يستعان بهم منذ زمن لتمرير كل شيء.
أما الفكر الليبرالي الحقيقي صاحب قيم التنوير فليس له مكان على خارطة الإصلاح، تعاديهم الحكومات فتتجاهل أمر إهانتهم، ولا تمنحهم منبرا واحدا سواء بمسجد أو بمدرسة أو حتى ساحة عامة. هؤلاء منبوذون أياً كانت أفكارهم. وحتى حين ظهر احتياج فعلي لشيء من انفتاحهم، لم يترك لهم الحبل ولم تنسب لهم الفكرة. بل يحدث أن تسرق أفكارهم وتنهب ثم تلوث ويشوه مضمونها لتباع على ألسنة شيوخ الدولار بسوق الفكر الرخيص عربياً بصفتها وصفة دينية جديدة. يصفق الناس للوصفة ولصاحبها ويهتفون ويستمر هتافهم حتى الصباح. وماذا يفعل العرب منذ سنين غير الهتاف والتصديق والاستسلام والانبطاح؟
كاتبة وإعلامية سعودية
Albdairnadine@hotmail.com
عدد من شيوخ ورجال الدين يقدمون اليوم طرحاً مختلفاً. طرح يبدو في ظاهره تنويرياً ثائراً على مبادئ أسلافهم، إذ يقرن الإسلام بمفاهيم عصرية وإن لم يصرح عن ذلك لفظياً، يقرنه بالليبرالية وبالحرية حتى تم اختراع مصطلح الإسلام الليبرالي أو التنموي ليغدو متداولاً ودليلاً على أن الدين ليس بعيداً عن متغيرات الفكر الحديث.
ثار الباقون على الفكر القديم، احتدم الجدل، وصلنا عبر صفحات الجرائد وبرامج الفضائيات سيل الاتهامات المتبادلة وجانب من المعارك الدائرة داخل الأسوار الدينية. أبطالها دعاة الصحوة والوسطية ودعاة التطرف، ليس مستغرباً أن يثور رجالات الفكر القديم فما يتم طرحه على يد رجالات الحداثة الدينية لا يحتمله العقل الفقهي التقليدي المبني على الانغلاق والتشدد في أغلب الأمور.
قبل عدد من السنين كان هناك إجماع ديني بأن الاختلاط ممنوع وحرام، اليوم. يذهب عدد من رجال الفقه إلى جوازه بل وضرورته. وكان كشف وجه المرأة محرما فتم تحليله، وبعد أن كان حكم خروجها من المنزل فتنة غدا اليوم ضرورة تنموية. وحتى التسعينات كان التلفاز مجرماً ملعوناً لا يدخل إلا بيوتاً تسكنها الشياطين، اليوم. يتسابق إليه رجال الفقه والتوحيد ويتنافسون على محطاته وإن كانت تعرض الرقص والغناء والمجون بل ولا يمتنعون عن حشر أنفسهم حشراً بين فقرات لمطربين وراقصات. ويريد بعضهم أن يكون سباقاً فيعلن أن المسلسلات مباحة وليست محرمة كما يذهب لرفض تكفير الممثلين والممثلات. الغناء الذي كان عربدة تحول للحن شجي مثبت بالأدلة. وبعد الدعوة لقتل الآخر، ارتفعت الأصوات لإكرام الجار الكافر.
المفارقة أن من يبيح اليوم المنكرات السابقة، هو نفسه من أفتى بتحريمها زمن صمت الحكومات ومباركتها للتطرف.
ما الذي يحدث داخل الأسوار الدينية؟ ثورة؟
هل نصدقهم؟ هل نفرح؟ أم نصفق؟
هل بيده إصلاح أخطاء الماضي ذلك الذي ارتكبها؟
ومن أين ينبغي أن يحدث التغيير؟ من داخل الفكر الليبرالي أم الديني أم كليهما؟ أم ليس هناك داع لهذا القلق المهموم بمصدر التغيير؟
هل من السهل أن تتغير المبادئ من النقيض إلى النقيض؟ وتكون المصادفة أن يتزامن ذلك التغيير ويتوافق مع تغييرات سياسية متطابقة؟
المصالح السياسية اليوم تتطلب أن تخف حدة التشدد، والنفاق للمسؤولين يفرض تحليل أمور آمنوا بحرمانيتها. حتى المعتقدات تباع وتشترى ولكل منها سوق وثمن.
رجل السياسة في المقابل أوصل الشارع العام المخدر المسير، إلى مرحلة لا يصدق بها سوى من يمسك بالسبحة ولا يستمع إلا لدعاة الفضائيات، كان لا بد من الاستعانة بهم حكومياً لتغيير فكر الجموع الميالة للتشدد.
قد يقول البعض ليس هناك فارق بين أن يحدث التغيير من داخل العباءة الدينية أو يخرج من عباءة الليبراليين، المهم أن يتم الإصلاح. لكن مشكلة حدوثه من داخل العباءة الدينية مشكلة خطيرة كونه يصدر عن أناس لم يكونوا ليؤمنوا بالإصلاح لولا الحرب على الإرهاب، فكيف تترسخ قيم تنويرية داخل مجتمع حين يكون المسؤول عن نشرها مجموعة أفراد يتاجرون بمفهوم الحرية ويرفضونها بأعماقهم. حديث مفصل مع أحدهم سيكشف رجعيتهم الداخلية المتأصلة، سيكشف أن ما يقوموا به ليس سوى لعبة سياسية ستنتهي بمجرد انتهاء عملية المتاجرة والمقايضة. ملايين من الدولارات تستحق أن تبيع لأجلها معتقدك وجماعتك. لا، ليست ثورة دينية. إنما ثورة تتاجر بالدين. والمنابر لهؤلاء، لأصحاب التجارة الدينية، يستعان بهم منذ زمن لتمرير كل شيء.
أما الفكر الليبرالي الحقيقي صاحب قيم التنوير فليس له مكان على خارطة الإصلاح، تعاديهم الحكومات فتتجاهل أمر إهانتهم، ولا تمنحهم منبرا واحدا سواء بمسجد أو بمدرسة أو حتى ساحة عامة. هؤلاء منبوذون أياً كانت أفكارهم. وحتى حين ظهر احتياج فعلي لشيء من انفتاحهم، لم يترك لهم الحبل ولم تنسب لهم الفكرة. بل يحدث أن تسرق أفكارهم وتنهب ثم تلوث ويشوه مضمونها لتباع على ألسنة شيوخ الدولار بسوق الفكر الرخيص عربياً بصفتها وصفة دينية جديدة. يصفق الناس للوصفة ولصاحبها ويهتفون ويستمر هتافهم حتى الصباح. وماذا يفعل العرب منذ سنين غير الهتاف والتصديق والاستسلام والانبطاح؟
كاتبة وإعلامية سعودية
Albdairnadine@hotmail.com