|مهندس جاد الله فرحات *|
الامام الحسين سيد شباب أهل الجنة وهو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو عبد الله ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم، وشبيهه ولد لخمس خلون من شهر شعبان سنة 4 هـ 625 م واستشهد في موقعة الطف بجانب مدينة كربلاء ويعرف قبوه الى اليوم بمشهد الحسين، ولكن هناك آراء وروايات تاريخية كثيرة متضاربة بشأن رأس الحسين رضي الله عنه وربما كان مصدرها وجود مشاهد متعددة باسم الامام الحسين في الأقطار الاسلامية مثل مشهد مرو ومشهد حلب ومشهد دمشق عسقلان ومشهد القاهرة.
تاريخ انشاء المشهد الحسيني بالقاهرة:
المعروف تاريخياً أن الرأس الشريف رأس سيدنا الحسين رضي الله عنه نقلت من مدينة عسقلان بفلسطين، فوصلت الى القاهرة سنة 548 هـ 1153 م ودفنت في سرداب بقصر الزمرد الفاطمي، ثم نقلت الى قبة المشهد الذي انشئ خصيصاً له في سنة 549 هـ 1154 م أي في عهد الخليفة الفاطمي ( الظاهر بأمر الله ) وظل عناية الملوك والأمراء على مر الأيام.
ولما ولي ملك مصر السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 567 هـ 1171 م أنشأ مدارس للمذاهب الأربعة منها مدرسة بجوار مشهد الحسين غلب عليها اسم المشهد وقرر بها مدرسين وعهد بالاشراف عليها الى الفقيه البهائي الدمشقي، فكان يجلس للتدريس عند المحراب الذي خلفه الضريح، مما يؤكد على أن المسجد الحالي حل محل تلك المدرسة لوجود الضريح خلف جدار المحراب.
ولم يبق من المشهد القديم الا الباب المعروف بالباب الأخضر وفي سنة 633 هـ 1235 م بدأ أبو القاسم يحيى بن ناصر السكري المعروف بالزرزور بانشاء مئذنة فوق باب المشهد أتمها ابنه في سنة 634 هـ 1236 م وهي المنارة الحافلة بالزخارف الجصية فوق الباب المعروف بالباب الأخضر، والباقي منها قاعدتها المربعة وعليها لوحتان تذكاريتان.
ولقد مر المشهد الحسيني بالعديد من أعمال الاصلاح والتجديد نذكر منها أهمها: في سنة 1124 هـ 1712 م عني به الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي فوسعه وزاد فيه، وصنع له تابوتاً من الأبنوس المطعم بالصدف والفضة، وفي سنة 1175 هـ 1761 م جدده الأمير عبد الرحمن كتخدا، واثبت تاريخ عمارته على عتب رخامي، وفي سنة 1204 هـ 1789 م قام بعمارات وزيادات فيه السيد علي أبو الأنوار وأثبت عمارته بالباب البحري للقبلة.
على أن أهم الأعمال الاصلاح والزيادة والتجديد كانت في عهد الخديوي اسماعيل في سنة 1279 هـ 1862م فأمر بتجديده وزيادته، وتم بناء المسجد سنة 1290 هـ 1873 م والمئذنة 1295 هـ 1878 م وروعي في التصميم الجديد ترك القبة على حالها ونقل اليه منبراً جميلاً كان جامع ازبك من ططخ بالأزبكية ( العتبة حالياً ).
ويمكن ايجاز ما تخلف من المشهد القديم في العناصر التالية:
احد أبوابه وهو المعروف بالباب الأخضر، وهو باب مبني من الحجر على يساره دائرة مفرغة بزخارف وتعلوه بقايا شرفة جميلة.
وتخلف من المنارة الأيوبية التي أنشاها فوق هذا الباب أبو القاسم السكري القسم الأسفل منها، وهو المربع الذي يحتوي على زخارف جصية نادرة وتاريخ الانشاء.
اما التابوت الخشبي فهو أيوبي الطراز، ويعتبر تحفة نادرة تمثل طراز الحفر على الخشب في عصر الأيوبيين بمصر، وهو محفوظ حالياً في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة.
وفي أيام ثورة 23 يوليو 1952 نال هذا المسجد عناية ملحوظة، فزيدت مساحته حتى بلغت مساحة الصحن 3340 متراً وأضيف الى المسجد مبنى مؤلف من طابقين خاص بادارة المسجد يقع في الجهة الشرقية منه، كما أنشئت مكتبة خاصة بالمسجد في الجهة الشرقية على امتداد القبة والمصلى الخاص بالسيدات.
ويمكن اجمال عمارة المسجد في الآتي:
-1 اصله ضريح انشأه الفاطميون في سنة 549 هـ (1145م) حيث دفن به رأس الامام الحسين بعد نقله من عسقلان إلى قصر الزمرد الفاطمي ولم يبق من مبنى الضريح حاليا الا الباب الاخضر في شرق الجامع.
-2 اعتنى الامراء والخيرون بتوسعته وعمارته عبر التاريخ، ومن ذلك المئذنة فوق الباب الاخضر التي انشئت منه 634 هـ (1236م).
-3 قام المصلح الكبير الأمير عبدالرحمن كتخدا بعمل عدة اصلاحات به سنة 1175 هـ 1761 م بقي منها إلى الآن القبة فوق المشهد قرب الباب الاخضر.
-4 في عهد الخديوي اسماعيل هدمت اسوار الجامع وبنيت بالحجر بعد توسيعه سنة 1290 هـ (1873 م) ثم بنى مئذنته الرشيقة الحالية سنة 1295 هـ (1787 م) على النمط العثماني ونقل اليه منبر جامع ازبك بالعتبة بعد هدمه.
-5 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني وفي سنة 1311 هـ بنيت حجرة المخلفات النبوية التي كانت مودعة في قصر عابدين.
-6 في سنة 1935 م انشئ ميدان سيدنا الحسين بهدم مجموعة من المباني القديمة كانت تشغله، مثلما سبق عند انشاء ميدان العتبة سنة 1930م (حيث كان يوجد في وسطه مبنى المحكمة المختلطة مكان الحديقة الحالية).
-7 في سنة 1962 تم آخر توسيع وتجديد في الجامع، ضم فيه اليه مبنى من طابقين في جنوب شرق الجامع كان مخصصا لادارته وبذلك جددت واجهة الجامع المطلة على ميدان الحسين الذي اجريت فيه عمليات تجديد في الوقت نفسه، اما من الجهة الشمالية فقد انشئت دورة مياه متسعة خارج الجامع بدلا عن التي كانت بداخل الجامع، اما في داخل الجامع فقد انشئت مكتبة مساحتها 144 مترا في دور علوي في شمال شرق الجامع وصنع منبر جديد تكلف وقتها 1500 جنيه بدلا عن منبر جامع ازبك السابق.
-8 اهدت طائفة البهرة الفاطمية بالهند مقصورة من الفضة ومرصعة بفصوص من الماس إلى مصر حيث ركبت فوق الضريح في سنة 1965م.
-9 ضمن مشروع القاهرة التاريخية تم تجديد المسجد تجديدا شاملا وكاملا بحيث اصبح تحفة من تحف الفن المعماري واحدى روائع العمارة الإسلامية.

* إمام وخطيب