التجنيس في الكويت كان ومازال مشكلة معقدة، ساهمت فيها السلطة والحكومات المتعاقبة منذ البدء بعملية التجنيس وحتى هذه اللحظة، سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، ابتداء من حيث القانون الذي يصنف حالات الجنسية والحاصلين، أو من حيث عملية التجنيس نفسها، والتي تكون خاضعة في الغالب للأهواء والأمزجة من ناحية، أو استخدامها كورقة سياسية رابحة للضغط على من يريدون.
وزارة الداخلية هي الجهة التنفيذية التي تولت ملفات الجنسية، وهي من وزارات السيادة، أي لم يتولاها غير الشيوخ، فكل من حصل على الجنسية بغير وجه حق فالمسؤول الأول والأخير هو وزير الداخلية، ومن صادق على تلك الملفات في مجلس الوزراء.
وقد كان النظام السياسي في الكويت عاملاً مساهماً في تفاقم تلك المشكلة، بل ومشجعاً عليها، فتسابق نواب الأمة منذ بدء العمل بالدستور على عملية التجنيس، وكما نقول (كل يقرب النار لقرصه)، وحتى يكسب النواب ود ورضى ناخبيهم أصبحوا يضحون بالمصلحة الوطنية العليا من أجل مصالح شخصية ووقتية.
هذا الأمر يعرفه الجميع، ولكن السؤال المهم هنا: من الذي وافق على إدراج تلك الملفات في لجان الجنسية، ومن سمح لأولئك النواب وغيرهم من أصحاب الوجاهة والمصالح بالتلاعب بمصالح البشر من أجل حفنة أصوات؟ ولتذهب مصالح الوطن العليا أدراج الرياح، أليست السلطة هي التي شكلت تلك الثقافة، أليست الحكومات المتعاقبة هي من سهلت تلك المهمة، وجعلتها سلماً للصعود السياسي على أكتاف الوطن المغلوب على أمره.
لست أحسد هنا من أخذ الجنسية بغير حق، ولكن أستغرب الآن ممن يفتح تلك الملفات، ويزود المتهورين بأوراق رسمية كانت موجــــودة فـــي ملفات الجنسية، ويعرفها المسؤولون في تلك الحقبات التاريخية في وزارة الداخلية، ولعلهم هم سهلوا تلك الجريمة في حق الوطن، وإعطاء الحقوق لغير أصحابها، وتركوا المستحقين من البدون، وأكرر هنا المستحقين منهم، خصوصاً ممن لديهم احصاء (65) وأبناء الشهداء الذين رووا تراب الكويت بدمائهم، عرضة لأهواء الطامحين بالسلطة، وتقلبات المزاج السياسي العام.
إنها مشكلة معقدة حقاً، تحتاج إلى جراح ماهر، يقدم مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى، تحتاج كي نعالجها أن نبعدها عن الساحة السياسية والإعلامية، وطبخ الحل على نار هادئة بعيداً عن التصعيد المتهور وغير المدروس.


د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
alsuraikh@yahoo.com